قراءة انطباعية في ومضة قصصية بعنوان (اتّكاليّة) للأديب المصري هاني الشرقاوي
بقلم: عاشور زكي وهبة
أولا: النصّ
اتِّكاليِّةٌ
تَغَنُّوا بماضيهم؛ سَدَّ المستقبلُ أذنيه.
ثانيا: القراءة
العنوان: اتّكاليّة
مصدر صناعي من فعل خماسي (اتَّكَلَ/اتّكالًا).
ومن معانيه لغة: تابعيّة /تبعيّة/ تطفّل /طفيليّة.
ويقابله على النقيض: رياسة/ زعامة /قيادة /توكّل.
أمّا الاتكالية اصطلاحا: حالة من حالات الضعف البشري، أو نوع من الاضطراب السلوكي النفسي للشخصية التي تعاني من فقد الذات، والتهرب من المسؤولية بالاعتماد والاتّكاء على الأخرين، مما يعيق نضجها وصحتها النفسية.
وتُعرف علميًّا بالاتكالية المشتركة (Codependency) أو التعلق المرضي المشترك، وهي سمة مميزة لنوع مضطرب من العلاقات البشرية يستمد الشخص قيمته وهويته من غيره.
.
صدر الومضة: تغنّوا بماضيهم.
يتكون الصدر من مفردتين.
تغنّوا بالماضي.. بالأجداد أي: مدح مآثرهم، وتاريخهم المجيد وآثارهم الخالدة.
نحن أمام فئة أو جماعة بشرية معاصرة لا ترى نفسها إلا في ماضيها الغابر، وتاريخها العريق تمدحه وتفتخر به.
هناك أبيات شعر تُنسب إلى الإمام علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه يقول فيها:
كن ابن من شئت واكتسب أدبا
يُغنيك محموده عن النسب!
فليس يُغني الحسيب نسبته
بلا لسان له ولا أدب
إن الفتى من يقول ها أنا ذا
ليس الفتى من يقول كان أبي
أو كما يُقالُ في المثل العامي المصري: “القرعة تتباهى بشعر بنت أختها”.
ويُضرَب المثل عندما يتفاخر شخص بما يملكه غيره، ولا يمتلك المُتفاخر ما يتفاخر به… وفاقد الشىء لا يعطيه!
فماذا كانت نتيجة من يتفاخر بمآثر أجداده دون أن يحافظ عليها ويحييها في حاضره، ليكونوا خير خلف لخير سلف؟!
.
عجز الومضة: سدّ المستقبل أذنيه
يتكون العجز من ثلاث مفردات وضمير متصل يعود على المستقبل.
يتضح لنا أن الوامض البليغ شخّص المستقبل بإنسان لا يصغي لهذا التغني النشاز لهذه الجماعة، ويسد أذنيه نفورا من أسطوانتهم المشروخة_ التفاخر بماضيهم التليد_التي لا يكلّون ولا يملّون من تكرارها طوال حاضرهم البليد، فأضحى لا مكان لهم في المستقبل القريب أو البعيد.
عاشوا ككائنات طفيلية تجتر أمجاد أجداد رحلوا في الماضي الغابر، فأضاعوا حاضرهم، وفقدوا مستقبلهم…
.
المفارقة والإدهاش
التناقض بين: ماضي الأجداد التليد، وواقع الأبناء البليد.
التضاد بين: التغني بالماضي، والمستقبل يسد أذنيه كي لا يسمع جعجعاتهم وثغائهم النشاز.
المقابلة بين: الماضي الخالد للأجداد، والمستقبل الراكد للأبناء والأحفاد.
صورة لخلف يجعجع دون طحن فأضحى طفيليات تقتات على فتات الأمم العاقلة العاملة.
مآثر ومفاخر للأجداد، وجعجعة وتباكي من الأحفاد..
.
التكثيف
في خمس مفردات بسيطة لخّص لنا الوامض ماضي وحاضر ومستقبل وطننا العربي الكبير الذي يعيش حالة من الاتكالية التاريخية الفارغة على مآثر العرب والمسلمين في العصور الوسطى، وغياب عن إثبات الذات في الواقع الحاضر والمعاصر، سيؤدّي حتما إلى غياب فعلي وعملي على مستوى المستقبل القريب والبعيد.
في الختام أحيي صديقي المبدع على ومضته البليغة متمنيا له دوام التوفيق.
.
الأحد 2023/6/4
التعليقات مغلقة.