قراءة انطباعية في ومضة قصصية بعنوان( مُفارقة) للكاتب المصري إبراهيم الشابوري بقلم :عاشور زكي
قراءة انطباعية في ومضة قصصية بعنوان( مُفارقة) للكاتب المصري إبراهيم الشابوري بقلم :عاشور زكي
أولا: النص
مُفارقةٌ
غرق الفقراء في عرقهم؛ طفت ثروات الأغنياء.
ثانيًا: القراءة
١. العنوان: مُفارقة
من المعلوم أن العنوان في فن الومضة القصصية هو مدخل الولوج إلى النص وسبر أغواره. والعنوان هنا يحمل إحدى سمات الومضة القصصية “المفارقة” وهي تعبر عن التناقض الحاد والهوة السحيقة بين طرفين، فإن هذا العنوان يشحذ ذهن القارئ ويدفعه إلى مطابقة متن الومضة للتعرف على مدىٰ الهوة بين المتضادين فاللفظة مفارقة مصدر للفعل الرباعي “فارق”: أي باعد. وفرَّق بين القوم: أي أحدث بينهم فُرقة. وفرَّق بين المتشابهين: ميَّز بعضهم عن بعض.
فرَّق القاضي بين الزوجين: أي حكم بالفرقة بينهما.
فهيا بنا لنحكم بين الشطرين المتخاصمين في ومضتنا “مُفارقة”
٢. صدر الومضة:
………………..
غرق الفقراء في عرقهم.
يتكون الصدر من ثلاث مفردات:غرق/الفقراء/ العرق.
جملة فعلية بسيطة تبين مدىٰ البؤس الذي يعانيه الفقراء من أجل الحصول على قوت يومهم إذ أن من قسوة هذا البؤس المضني يجعلهم يغرقون في عرقهم أي يتحول العرق إلىٰ خضم متلاطم يكون من القسوة بحيث يصبح مقبرة جماعية تبتلعهم في جوفها.
الغرق في العرق مصير الفقراء البؤساء الذين يمثلون قاع المجتمع، ممن يعيشون على البسيطة تحت خط الفقر هذا مايطالعنا به صدر الومضة البائس. فبماذا تصدمنا إذن مفارقة عجز الومضة؟!
٣. عجز الومضة:
طفت ثروات الأغنياء.
بالفعل مفارقة صادمة إذ في حين غرق الفقراء في العَرق طفت ثروات الأغنياء على السطح… طفح، عرق، مجهود ووقت ودم الفقراء البؤساء.
بالطبع لا تدعونا الومضة القصصية إلىٰ ثورة شيوعية ولا إلىٰ حقد طبقي؛ لكنها تدق جرس إنذار لولاة الأمر بالعمل علىٰ تضييق الهوة السحيقة بين الطبقتين المتباعدتين بالقضاء علىٰ أسباب الفقر والإرتقاء بمستوىٰ الحياة الكريمة لكل فئات المجتمع. قال تعالى: (كي لا تكون دولة بين الأغنياء منكم….) الآية. بذا يلتئم الصدع بين فئات المجتمع، وتضيق الفجوة والجفوة بينهم، فلا يزداد الفقير فقرًا، ولايزداد الغني غنًى، ولا يتبخّر عرق الفقراء سُدىٰ في خضم مجتمع الأغنياء.. في مجتمع ابتلعت فيه الأثرة الإيثار وطغىٰ العُسر علىٰ أسباب اليُسر.
٤. المُفارقة
طرفا النقيض في الومضة القصصية التضاد بين غرق /طفىٰ.
وبين الفقراء /الأغنياء.
في حين يغرق الفقراء في بؤسهم تطفوا علىٰ جثثهم ورفاتهم ثروات الأغنياء.
ماأفظعها من صورة تدمي قلوب من فرغت منهم الجيوب!
تحياتي للوامض علىٰ الصورة المؤثرة التي تنطبع في صدور قوم مؤمنين بجدوىٰ العدالة الإجتماعية والقيم الإنسانيّة.
٥. التكثيف
في خمس مفردات أوجزت لنا الومضة القصصية المفارقة الشاسعة في واقعنا المعاصر.
الفجوة التي تزداد شيئا فشيئا بين الطبقتين: الغنى الفاحش/ الفقر المدقع…
وما أكثرها المنظمات الحكومية وغير الحكومية التي تحاول قد جهدها التخفيف من وطأة الفقر في نصف الكرة الجنوبي!
ترفع شعارات التنمية المستدامة ورفع مستوى المعيشة ومحاربة الفقر والمجاعات نتيجة الحروب أو التغير المناخي في الدول الفقيرة التي يوجد بها أكثر من مليار نسمة يعيش أفرادها على أقل من دولارين يوميا… أي تحت خط الفقر!
في الختام أحيي الوامض المبدع على ومضته البليغة متمنيا له دوام التوفيق.
الأربعاء ٢٠٢٣/١/٤
التعليقات مغلقة.