قراءة انطباعية في ومضة قصصية ” بوح ” للأديب المصري إبراهيم الشابوري …بقلم: عاشور زكي وهبة
أولا:نص الومضة بوح
أفشىٰ سره؛ أسره.
ثانيا: القراءة
١.العنوان:
(بوح ):مصدر للفعل الثلاثي (باح) وهو فعل ثلاثي أجوف. _باح بالسر: أظهره وكشفه، ومضاده: أسر وكتم.
ومن مشتقاته: أباح واستباح: أي أطلقه وعده مباحًا.
والإباحة معناها: حكم شرعي يقتضي التخيير بين الفعل والترك.
والإباحية تعني: التحلل من قيود القوانين والأخلاق
والباحة: هي الساحة.
والبوح لغة يعني: الإبانة/الإذاعة/الإشاعة /الإفشاء والإظهار إلخ.
ومضاده: الإسرار/ الإضمار/ الإفطام/ الإخفاء/ التورية الحجب/ والستر/ والكتمان.
والبواح هو: الجهار والعلانية وبالتالي فنحن أمام فضفصة واظهار لأمر ما وهذا مايرشدنا إليه العنوان الكاشف للستر المظهر لما يجول في الفكر وعادة مايتعلق البوح بالإذاعة الكلامية لما في الفكر.
٢.صدر الومضة:
أفشىٰ سره
يتكون الصدر من مفردتين وضميرين {أفشى وسر} هاتان المفردتان والضميران أحدهما مستتر تقديره هو يعود على من باح بالسر أما الضمير الظاهر فهو الهاء ويعود أيضا على من كشف السر وإن كان الوامض قد اختار مفردة مرادفة للبوح وهي الإفشاء مصدر من الفعل أفشىٰ بمن أباح أو أظهر ومضاده أخفى أو ستر
وهذا مايدل على ثراء لغتنا العربية في المترادفات والمتضادات التى لاتحصى ولاتعد فهي لغة الخطابة والطلاقة اللسانية حتى قيل عن أن العرب ظاهرة صوتية من باب الهجاء والذم؛ لكنني أقول أنهم أهل الفصاحة والبلاغة من باب المدح.
وهناك قول مأثور: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان. والسر طالما خرج من لسان صاحبه لم يعد سرا فقد أصبح شائعا مباحًا.
ونقول دوما لمن نبوح له بمكنوننا أفيكَ من يكتم السر؟! المهم أن يكون المباح له بالسر مصدر ثقة وأمانة لايبيح سرا ولايكشف سترا. والمرء مخبوء تحت لسانه فإذا تحدث عرف وإذا تكلم ظهر بيانه واتضح إيمانه ممن غلبه شيطانه. والحكمة تقول تكلم حتى أعرفك!
أما لفظة سر تعني: الباطن/السريرة/ الضمير/ الطوية/ النجوى/ الفكرة.
ومضاده: الجهر/ المظهر /الهيئة/ الوضوح… إلخ.
ومضاد سرا: جهرا/وجهارا/وعلانية.
وفي حكم الشرع: فإن صدقة السر أفضل من صدقة الجهر أوالعلانية.
ولعل لكل دولة أسرارها العسكرية التي لاينبغي أن تكون مباحة للأصدقاء أو متاحة للأعداء أو الجواسيس الذين يتاجرون بهذه الأسرار لأجل حفنة من المال واللفظة الإنجليزية (Secret)جاء منها مهنة السكرتير الذي لابد أن يكون كاتمًا للسر لرئيسه في العمل.
ومن رياض الصالحين: (باب ستر عورات المسلمين والنهي عن اشاعتها ):
قال تعالى: «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة…» سورة النور الآية 19.
ومن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:قال: النبي صلى الله عليه وآله وسلم:{ لايستر عبدٌ عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة}.
والمجاهرون بالمعاصي أشد عذابا يوم القيامة هذا ماأباح وأشاعه لنا صدر الومضة فماذا كان نتيجة الإفصاح والإشاعة والكشف؟
٣.عجز الومضة:
(أسره)
مفردة واحدة أفصحت عن جملة كاملة لم يجد المُسِرُّ لسره ماسرَّه بل من أسره وأسر لغة قيده وأخذه أسيرا واستأثره أخذه أسيرا والأسير المأخوذ في الحرب والأسرة أهل الرجل وعشيرته أو الجماعة يربطها أمر مشترك.
٤.المفارقة والإدهاش:
التضاد بين أفشى وأسر بعد أن كان السر حبيس عقل وقلب وجوارح صاحبه لايطلع عليه ولايحيط بعلمه أحد أصبح مباحا مطلق السراح فأسر صاحبه وجعله مكبل الأطراف عاجزا عن الحركة كأسير الحرب لايملك من أمره شيئا.
أفشى السر أي جعله حرا طليقا مشاعا وأسره السر جعله أسيرا له يتحكم في حركاته وسكناته كالعبد الآبق.
٥.التكثيف
احتوت الومضة عنوانا ومتنًا على أربع كلمات وكان من الممكن تكثيفها في كلمتين:
بوح
أسَرَّهُ؛ أسَرَهُ.
وكانت ستعطي جرسا موسيقيا أكثر إيقاعا مع الفرق بين الإسرار والأسر.
في الختام أحيي صديقي المبدع ابراهيم الشابورى على ومضته الرائعة، متمنيا له دوام التوفيق.
التعليقات مغلقة.