قراءة انطباعيّة في الققج (انكشاف) للأديبة السوريّة غفران سليمان بقلم: عاشور زكي وهبة(مصر)
قراءة انطباعيّة في الققج (انكشاف) للأديبة السوريّة غفران سليمان
بقلم: عاشور زكي وهبة(مصر)
أولًا: النصّ
انكشافٌ
تَكَوَّرَ بطنُ المدينةِ في غيابِ رجالِها، أكَّدَتْ أنّ مسوخًا عراةً اغتصبوها؛ أنجبتْ دجّالًا يشبهُ حارسَها.
أ. غفران سليمان كوسا (سورية)
ثانيًا: القراءة
١. العنوان: انكشاف
مصدر من فعل خماسيّ لازم (انكشف).
انكشفت الحقيقة: انجلت، انكشف السر: ظهر وبان، انكشف الرجل: انفضح أمره.
يعبر العنوان عن انجلاء أو ظهور أو بيان أو انفضاح الأمر…
٢. متن النصّ:
في نصّ مكثّف لا تزيد كلماته عن ثلاثة عشر مفردة دون احتساب حرف الجر الكاسر، وحرف النصب المؤكد انكشف لنا ما يرمي إليه العنوان الغامض (انكشاف): تطالعنا الجملة الأولى بوقوع “فضيحة”، إذ ” تكوّر بطن المدينة في غياب رجالها”!
هذه الجملة البسيطة تجعلنا نتساءل بدهشة: كيف تحمل المدينة/الجماد؟! ومن الجاني الذي اقترف هذه الجريمة البشعة؟! وما سبب غياب الرجال؟!
يشار إلى المدينة في القرآن غالبًا إلى المجتمع الذي يعيش في صراع بين الخير والشر؛ في حين تشير القرية إلى شيوع صفة إيجابية أو سلبية في المجتمع كالإيمان أو الكفر، الكرم أو البخل… إلخ.
أما في علم الاجتماع المدينة تشير إلى المجتمع المتمدين الذي يميل للتحديث والحضرية وكثرة الخدمات وتوفرها.
أمّا في الأدب، في هذه القصة تحديدًا، تعرضّت للأنسنة الأنثوية (تكوّرت بطنها) أي حملت حملًا سفاحًا في غياب الرجال! مدينة منُتهَكة دون رجال!
انتزاع الرجولة من المدينة ماديًا ومعنويًا عرّضها للانتهاك والاغتصاب من قبل مسوخ عراة!
يقصّ لنا القرآن الكريم البلاء الذي وقع فيه بنو إسرائيل في مصر على يد فرعون في الأية 4 من سورة القصص:
” إن فرعون علا في الأرض، وجعل أهلها شيّعًا، يُذبّح أبناءها، ويستحيي نساءها، وفي ذالكم بلاء من ربكم عظيم”.
هذا الحمل السفاح مَن الذي اقترفه؟!
تزيح المدينة التهمة عن نفسها مؤكدة:
أنّ مسوخًا عراةً اغتصبوها!
مَن هؤلاء المسوخ العراة؟!
يتم استبدال الرجال بمسوخ عراة، فهل تحوّل الرجال إلى مسوخ قبيحي الخلق والخلقة؟!
” لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم”.
تتحوّل الخلقة من الحسن إلى القبح، أما المسيخ المشوه تُنزَع منه صفة الإنسانيّة ماديًا ومعنويًا.
نحن أمام مسوخ عراة من الإنسانيّة، جانحون إلى الحيوانيّة والبهيمية.
بينما تأنسنت المدينة المنتهكة، ونطقت حجارتها ولبناتها وأكّدت أنّ الجناة مسوخ عراة (بشر ليسوا ببشر)، فماذا كان مخاض هذا الحمل البهيميّ السفاح؟!
تطالعنا النتيجة الصادمة في الجملة الأخيرة: أنجبت دجّالًا يشبه حارسها.
لقد وضعت دجّالًا يشبه حارسها/حاميها/حافظها…
حينما يتحوّل الحارس إلى طاغية، من المنطقي أن يتحوّل الشعب إلى طواغيت صغيرة حسب قدراتها وإمكانياتها تحاكي الحاكم الطاغي الذي من الواجب أن يكون راعيًا حافظًا أمينًا على رعيته/مدينته/دولته/مملكته…إلخ.
جبروت الحارس يقنن طغيان الشعب.
٣. المغزى
القصة تحمل رسالة إلى كل مغتصبي السلطة المدنيّة في كل زمان ومكان.
ويريدون توريثها للمسوخ أو المسيخ الناتج عن عملية الاغتصاب البشعة… حتى ظهور المسيخ الدجال في أخر الزمان إيذانًا بقيام الساعة.
القصة تمثّل صرخة في وجه القبح/المسوخ/الطغيان…
بعد ثورات الربيع العربي التي تحوّلت إلى خريف عاصف ذبلت أوراقه وسقطت، وتساقطت معها أرواح الطامحين إلى الحرية والكرامة الإنسانية بفعل عبدة الكراسي في تونس ومصر وليبيا وسورية واليمن.. ربما احتكرت سورية نصيب “الأسد” في هذا التحول المقيت البشع من حارس أمين إلى مسيخ دجّال!
ملاحظة أخيرة: كنت أحبذ استخدام الفعل (وضعت) بدل (أنجبت)؛ إذ شتّان بين الوضاعة والنجابة!
في الختام أحيي الأديبة غفران سليمان على قصتها البديعة، متمنيًا لها دوام التوفيق.
في أمان الله.
عاشور زكي وهبة
الثلاثاء 9/8/2022
11محرم 1444ھ
التعليقات مغلقة.