قراءة انطباعيّة في قصة قصيرة جدًا ” تناسخ ” للأديب اليمني نجيب صالح بقلم عاشور زكي وهبة
أولًا: النصّ …تَنَاسُخٌ
تَفَصّدَ قهرُهُ من جذور وحدته، ناولَه الرصيفُ قلمًا، رسمَ على الجدار والديه، نفخَ فيهما من روحِه، مدّت أمّه يدَها، أمسكَها وعيناه ترقبانِ خروجَ الحيّ من الميتِ، طالبوه ببعض بقرةٍ.
ثانيًا: القراءة
العنوان: ” تناسُخ “
تطالعنا القصة بهذا العنوان المخاتل الصادم. تناسخ الأرواح (الكارما) عقيدة يؤمن بها أتباع الديانات الوضعيّة كالبوذيّة والهندوسيّة، وأصحاب هذه العقيدة يؤمنون بأن روح الميت تنتقل إلى كائن بشري أو حيواني أعلى أو أدنى منزلة لتنعم أو تُعذّب جزاءً على سلوك صاحبها المتوفي؛ إلا أنهم لا يؤمنون بالبعث.
كما تعتقد بعض الفرق الإسلامية كالمعتزلة والدروز في التناسخ.
ويستشهدون بآيات كثيرة من القرآن دليلًا على ذلك..
كما في الأية 28 من سورة البقرة:
” كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتًا فأحياكم ثم يُميتكم ثم يُحييكم ثمّ إليه تُرجَعون”.
” قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل”.
تحكي القصة عن طفل يتيم الأبوين يسيل القهر من جذور وحدته.. فهو على حسب المثل المصري: (مقطوع من شجرة). تلقفته الشوارع والارصفة. وكم هم كثيرون في بلادنا العربية نتيجة الحروب الأهلية والطائفية!
وبينما هو في وحدته وتشرده يمنحه الرصيفُ قلمًا. هذا القلم الذي أقسم به ربّ العزّة، وأفرد له سورة كاملة في القرآن، وأول المخلوقات مصداقًا لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه حيث قال رسول الله: ” إن أول ما خلق الله القلم، ثم قال له اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة”.
إن الطفل منحه الله قدرة بديعة على الرسم، فرسم والديه على جدار..
لكن ماذا بعد الرسم؟!
وهب الله سيدنا عيسى – عليه السلام -القدرة على إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله.
ينتقل الكاتب من الأحداث الواقعية إلى حدث سريالي فوق واقعي إذ يمنح الطفل قدرة على النفخ من روحه المُشردة والمُعذبة لإحياء والديه الفقيدين حتى تتحقق المعجزة وتمتد إليه يدّ أمّه ( رمز الحنان) فيمسكها كغريق تعلق بطوق نجاة، وعيناه ترقبان بدهشة خروج الحي من الميت.
الخاتمة الصادمة:
حينما يطالبه البشر الشاهدون بالمعجزة ببعض بقرة…
وفي ذلك تناص مع قصة سيدنا موسى وبقرة بني إسرائيل وإحياء قتيلهم ببعض من لحم البقرة التي ذبحوها بعد كثير من الجدال مع موسى.
وكأن الشهود لم تذهلهم المعجزة، فطالبوا بوسيلة تعجيزية للطفل..
فأنى له ببعض بقرة وهو المشرد البائس الفقير.. قدر على المعجزة فطالبوه بالإثبات والإتيان بوسيلة الإحياء البسيطة: بعض بقرة.. ولم يترك له والده الراحل بقرة كما فعل عبد بني إسرائيل الصالح بأن أورثه بقرة كانت هي كما وصف نبي الله موسى لبني إسرائيل المجادلين.
في الختام أحيي صديقي الأديب اليمني المبدع نجيب صالح امير البؤساء ، متمنيًا له دوام التوفيق.
الأربعاء 6/4/2022
التعليقات مغلقة.