قراءة انطباعيّة في قصة قصيرة جدّا بقلم: عاشور زكي وهبة والق ق ج (استباق) للأديب المصري: مهاب حسين مصطفى.

قراءة انطباعيّة في قصة قصيرة جدّا
بقلم: عاشور زكي وهبة
والق ق ج (استباق) للأديب المصري: مهاب حسين مصطفى.

أولًا: النّصّ (استباق)

لمّا انطمستِ الظلالُ، انطفأتْ وجوهُنا. ولجنا أقنعةً مُخاتلةً، تشبّثتْ أرواحُنا بالعتمةِ، حتّى سطعَ ضوءٌ.. تظاهرنا بالعرجِ.

ثانيّا: القراءة الانطباعيّة

× العنوان (استباق)
مصدر من فعل خماسيّ لازمٍ متعدٍ (استبقَ).
_ استبقَ القومُ إلى كذا: سابق بعضهم البعض الأخر.
_ استبقَ الطريقَ (الصراط): جاوزه.
_ استبقه: سبقه أو وصل إليه.
_ استبقَ الناس القاعة أو إليها: ابتدروا إليها.
_ وفي سورة يوسف: “واستبقا الباب… ” كلاهما يجري أحدهما يفرّ من المعصيّة، والآخر يجري عليها ليقترفها.
وشتّان بين الفريقين!
_ استباق: استباق الأحداث وتعجلها قبل وقوعها.
يرشدنا العنوان إلى أننا أمام مجموعة بشريّة تدخل في سباق أو استباق مع الزمن لاستطلاع الأحداث…

تطالعنا الجملة المركبة الأولى بالحدث الآتي: ” لمّا انطمست الظلالُ؛ انطفأت وجوهنا”. وكأننا أمام ومضة قصصيّة مُكوّنة من سبب ونتيجة: انطماس الظلال أدّى إلى انطفاء الوجوه (وجوه القوم) تربط بينهما أداة الربط لمّا التي تختصّ بالماضي.
فما هي الظلالُ التي انطمست؟! وما هي الوجوه التي انطفأت؟!
الظلّ من الشيء أوله، نقول: ظلُ الشباب_ ظل الشتاء. وظلّ الليل سواده، والظلّ من السحاب ما دارى الشمسَ.
والظلّ الممدود: خيال يقع على شيء مجاور للمرسوم من سقوط الضوء عليه.
كما أنّ الظلّ الممدودُ جزاءٌ للسابقين المقربين إلى الرحمن يوم القيامة.
والظلّ الدامس: درجة التظليل التي يشيع فيها لونُ المداد.
وهو في ظلّ فلان: أي في كنفه ورعايته.
وهو يباري ظلّ رأسه، إذا اختال المرءُ بنفسه. وانتعل ظلّه، إذا مشى على ظلّه في منتصف النهار، فلم يكن له ظلّ.
إذن انطمست الظلال أو الأطلال: أي لم يبق لها أثرٌ.
وانطفأت وجوهنا: خمدت وخبت.
وانطفأت شعلة الرجل: انتهى/ ماتَ.
وانطفأ خبره: انقطع ذكره.
أمّا الوجه فله معانٍ عدّة: ( سيد القوم وشريفهم_ القلب_ الدهر_ أول الصبح_ الجاه_ القصد_ الصحّة.
أمّا الرجل ذو الوجهين: المنافق، فما بالك إذا تعددت وجوهه وأقنعته؟!
ووجوه القرآن: معانيه. والألفاظ كما ترون حمّالةَ أوجه.
الجملة القصيرة التالية: ولجنا أقنعةً مُخاتلةً.. ولجنا أي دخلنا، والقناع ما يستر به الوجه. وكشف القناع عن الشيء: صرّح به وجاهر. وقناع المرأة حجابها، وما تغطي به رأسها…
لكنّ الأقنعةَ مُخاتلةٌ، وليست للستر أو الوقاية أو العفّة، فهي أقنعة خادعة مُخادعة..
والرجل المُخاتل: المراوغ المخادع، والختّال من البشر: الخدّاع، كثير الخداع… له الويل من العزيز القدير!
تشبّثت أرواحنا بالعتمة:
والتشبّثُ بالشيء التعلّق به.. وتشبّثَ برأيه: لزمه وتمسّكَ به.
وتشبّث بالكرسي أو المقعد: تعلّق به حتّى فاضت روحه أو قُتِلَ أو خُلِعَ منه…
والأرواح: جمع روح أو ريح، وكلّ ما به حياة (روح)..
العتمة: الليل/ الظلام/ ظلمة الليل أو أوله بعد زوال نور الشفق.
حتّى سطعَ ضوءٌ: لمعَ وبرقَ.. والحقيقة الساطعة: الواضحة الجليّة التي لا غبار عليها.
وسطع النور أو الصبح: ظهر ووضح.
سطع ضوءٌ: انتشر وارتفعَ.
سطع البرق في السماء: وضح.
والضوء هو النور، وإن كان الضوء أقوى وأسطع من النور نقول: ضوء الشمس أو النار. ونقول: نور القمر، لأنه مأخوذ من مصدر الضوء (الشمس).
في الأية 5 من سورة يونس:” هو الذي جعل الشمس ضياءً، والقمر نورًا”.
من الطريف في القصة أن: الظلال/وجوهنا/ أرواحنا/ العتمة.. جاءت معرفة سواء بال أو بالإضافة.. أما أقنعة مخاتلة في مقابل ضوء ساطع جاءت نكرة.
فهل تصمدُ الظلالُ المُنطمسة (الحُكّام المتشبثون بكراسيهم،وتابعوها (الملأُ) ذوو الوجوه المُنطفِئَة والأقنعة المُخادعة المتزلّفة، وذات الأرواح المتشبّثة بالعتمة والظلم والظلمات والظلام أمام ضوءٍ ساطعٍ واضحٍ وضوحَ الشمس؟!
هيهات هيهات لما يوعدون!
ماذا كانت النهاية؟!
في الجملة الأخيرة: بعد نقطتين نجد الخاتمة.. تظاهرنا بالعرج.
ماذا سيكون رد فعل ملإٍ ( وجوه القوم ووجهائهم) اعتاد ارتداء أقنعة زائفة مخادعة يتسابقون على التشبث بالعتمة والظلام والظلال حينما يغمرهم ضوء ساطع كالشمس؟!
يتظاهر بالعرج!
تظاهروا ليعلنوا سخطهم، أو قاموا بمظاهرات ماردة مريدة، أو ظهروا ما لا يبطنون..
وهل رأيت متسابقًا يتظاهر بأنه أعرج؟!
أعرجَ: دخل في وقت غياب الشمس.
العدّاءون والسابقون السابقون إلى مغانم الدنيا الفانيّة، ومطامع النفوس المخادعة يريدون أن يطفئوا الضوء الساطع الذي أظهر زيفهم وخداعهم، وتشبثهم بظلام دامس ران على قلوبهم، وأغشى أعينهم حتّى صار من عاداتهم وعتادهم وعدتهم.
وعرج المرء: أي ارتفع وعلا وارتقى وصعد..
وهؤلاء الملأ لا يُعرّج على كلامهم: لا يُعتَمدُ عليه.
“وتلك الدار الأخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا ولا فسادًا، والعاقبة للمتقين”.. الذين لا ينكرون الضوء الساطع المبين…
لقد نجح القاص المبدع في اختبار واختيار المفردات الصحيحة الساطعة التي تفرق بين معسكرين: ( الظلام والعتمة والعرج) في مقابل ( الضوء الساطع وسرعة الضوء التي لا تجاريها ولا تباريها سرعة).