قراءة في قصة “أنثى” للكاتب أبو مازن عبد الكافي…
بقلم عبد الرحيم خير
تحرير المرأة ..
إشكالية المصطلح والشعارات الزائفة.
قراءة في قصة “أنثى” للمبدع الكاتب والشاعر
أبومازن عبدالكافي Abo Mazen AbdElkafy
النص …
أُنْثَى
أَحَسَّتْ أنَّهَا كالطَّيْرِ الْحَبِيسِ؛ تَمَرَّدَتْ وَثَارَتْ، فَتَحَ لَهَا بَابَ الْقَفَصِ وَوَقَفَ خَلْفَهَا، أَخْرَجَتْ قَدَمَهَا الْيُسْرَى، وَعِنْدَمَا هَمَّتْ بِرَفْعِ قَدَمِهَا الْيُمْنَى لِلْخُرُوجْ، مَدَّ يدَيْهِ مَاسِحًا عَلَى رَأْسِهَا مُنْحَدِرًا بِهِمَا عَلَى كَتِفَيْهَا جَاذِبًا إِيَّاهَا إليْهِ، فَأَخَذَتْهَا قَشْعَرِيرَةٌ واِرْتَعَدَتْ؛ أَدْخَلَتْ قَدَمَهَا الْيُسْرَى لِلْقَفَصِ، وَوَلَّتْ وَجْهَهَا شَطْرَهُْ.
………………………………………………….
القراءة…
أحيانا تتمرد الأنثى تحت ضغط الوحدة والأعباء الحياتية المستمرة، فتثور وتتطلع للتحرر والانفتاح على العالم من حولها حبا في تغيير روتين الحياة اليومي المتكرر، وذلك بإيعاز من دعاوى زائفة تحبب إليها التحرر وتدعوها لتطالب بالحرية والمساواة، وهي دعاوى حقٍ يراد بها الباطل، فالحرية التي ينادون بها حرية كاذبة؛ هدفها أن تتحرر المرأة من أعرافها ودينها وتقاليد مجتمعها بدعوى مسايرة التقدم ومواكبة الحضارة.
” أنثى” عنوان جامع تتسع دلالته لتستغرق كل أنثى وما تعبر عنه دلالة الكلمة من الرّقة واللّطافة والدّلال والحياء، وما توحيه من الجمال؛ جمال الأفعال والتصرفات والمظهر والسلوك.
أجاد الكاتب اختيار العنوان ليؤكد هذا المعنى،
ليذكّر به كل متمردة على فطرتها وكل سائرة لدرب هلاكها بدعوى التحرر ومسايرة التطور، متغافلة بذلك عن فطرتها التي خلقت عليها؛ الفطرة التي لاتجعلها في موضع المقارنة والاختلاف مع الرجل “الذكر” بقدر ما هي دعوة للتكامل والتقارب والاتحاد، عبر صفات وطبائع مختلفة يكمل كل فيها نقص الآخر ويسد فيه مواضع الفراغ والخلل ” الذكر /الأنثى”.
كما أن العنوان قد عبر باقتدار عن هذه الخصوصية التي تتمع بها المرأة من خلال هذا الوصف” أنثى” وهي صفة جوهرية تميزها وتكسبها خصوصية لا في جسدها وطبيعة تكوينها فحسب، بل أيضا في شخصيتها بحيث أن من تفقد هذه الصفة أو تتجرد منها تصبح مسخا مشوها تأباها الفطرة ويمقتها الذوق السليم، لذا حذر الإسلام أشد التحذير من مغبة الإنحراف عن الفطرة السليمة بأن “تَترَجّلِ المرأة” فتتشبه بالرجل في أفعالها وصفاتها فتفقد بذلك هويتها، وأنوثتها التي هي سر جاذبيتها، وسبب لميل الرجل وسكنه إليها.
وإن كانت الأنوثة بكل ما تعنيه الكلمة من لين ونعومة، صفة تميز النساء عن الرجال، فإن الرجولة بكل ما تعنية الكلمة من خشونة وقوة وقوامة هي أيضا صفة تميز الرجال، وهذا الاختلاف هو سر انجذاب الرجال للنساء وانجذاب النساء للرجال، وعامل رئيس لقيام العلاقة بين الرجل والمرأة،
” هن لباس لكم وأنتم لباس لهن”.
وقوامة الرجل ليست لأفضليته عن المرأة بقدر ما هي ميزة للمرأة كونها مصونه محصنة محمية بمن يقوم على أمرها، ويبذل لتحقيق ذلك كل ما يملك من نفسه وماله.
كما أن كمال الرجولة وحسن قوامة الرجل لا يكون بالمنع والتضيق والحيف، بقدر ما يكون بالرعاية والاهتمام ومراعاة المشاعر وتقدير المواقف وتخفيف الأعباء والضغوط.
وفي قصة” أنثى” حرص الكاتب أن يقدم نموذجا منضبطا للرجل الذي يجيد معاملة المرأة، الرجل الحكيم الذي يحسن تقدير الموقف، فهو لم يتصادم مع رغبات زوجته بالمنع والحبس والتضيق، بل أعطاها الخيار والحرية بوازع من حكمته وخبرته ومعرفته بأن كل ممنوع مرغوب، وأعانها وساعدها لتخوض بنفسها تجربة الحرية المزعومة، لتتأمل البون الشاسع بين دعوات التحرير؛ هذا المصطلح الفضفاض الذي يتسع لكل الدعوات المنضبطة والفاسدة دون تفرقة بينها لتشابه شعاراتها الرنانة الجوفاء، لذا قرر الزوج أن يدعم زوجته في تجربتها، لتقارن بنفسها بين ما يسمونه الأسر في بيت الزوجيه( القفص) وبين الدعوات لحرية هدفها أن تفقد المرأة هويتها بعد أن تفقد بيتها وأسرتها،…( فتح لها باب القفص) لكنه لم يتركها لتواجه التجربة وحيدة (وقف خلفها) رغم ثورتها وتمردها إلا أنه كان سندها الذي تستند عليه خوفا من أن تزل قدمها في مستنقع من شعارات الحرية والمساواة بما تحمله من فكر خبيث وأفكار هدامة، هدفها هدم المجتمع والقضاء على الأسرة وزعزعتها بحشو رؤوس النساء بشعارات براقة جوفاء.
أنثى “ق.ق.ج” تحمل في طيايتها رغم تكثيفها دلالات متعدده لا تكشفها دلالة الحروف ( الخطّية) بقدر ما تكشفها دلالتها الإبداعية” الضمنية” ومن هذه الدلالة؛ دلالة فشل التجربة” تجربة الحرية المزعومة” التي تهدف لسحق الهوية وتشويه الفطرة، وذلك ما تعبر عن دلالة استخدام القدم اليسرى”أخرجت قدمها اليسرى” وهو ما يؤكد أن الأمر إنما هو مدخل من مداخل الشيطان، وطريق من طرقه لإفساد النفوس.
كما أن تأخير الرجل اليمنى دلالة على التردد في الأمر وأن على الإنسان أن يتريث قبل الإقدام على أمر يشك في صحته وصدق نوايا دُعاته والمروجين له.
“مد يديه ماسحا على رأسها” تأكيد لمعاني العفو والحنان والرحمة كأسُسٍ تقوم عليها العلاقة الزوجية التي أحيطت بسياجٍ مقدسٍ يحفظها ويميزها عن كل العلاقات البشرية، “وجعل بينكم مودة ورحمة”.
” فأخذتها قشعريرة وارتعدت ” هذه الرعشة والقشعريرة التي تتولد من نزغ الشيطان للإنسان حين يجد أثرها في نفسه، ويذهبها الاستعاذة بالله من مكر الشيطان ووساوسه.
كذلك دلالة ” أدخلت قدمها اليسرى” تأكيد لفكرة العودة والرجوع إلى الصواب شرط الاحتواء ومعالجة الانحراف عن طريق الحوار والتفاهم بعيدا عن البعد والتخلي والترك لنزوات الشياطين ودعوات المفسدين.
“وولت وجهها شطره” تأكيد لمعنى العودة والإذعان والإيمان أن بيت المرأة هو محرابها وزوجها هو قبلتها.
تمنيت لو أضاف الكاتب جملة أوكلمة مثل “أنكروها” أو “تنكروا لها” تؤكد صدق التجربة، وزيف دعاوى التحرر وشعاراتها الجوفاء.
دام إبداعك وبورك حرفك.
تقبل تحياتي/ عبدالرحيم خير
التعليقات مغلقة.