قراءة في قصة “شيء ما..حدث” للأديب محمد البنا بقلم عاشور زكي وهبة
أولا نصّ القصّة : شيءٌ ما ..حدث
رغم خياناتي المتكررة لها كنت حريصًا ألا أدعها تغادرني إلى غير رجعة، فعقب كل خيانة كنت اعود.إليها نادمًا، أجلس بين يديها أتوسل صفحها، وأعدها ألا أكررها مرةً أخرى، وهى..هى كانت تصفح وتسامح بل وتمسد شعري بأناملها، وتكفكف دمعي، بل ولم تفاجئني لمرة..مرة واحدة بيأسها من نزواتي، ورغبتها في الانفصال عني، وكعادتها دائمًا تنسحب في هدوء، وتلتجئ لمخدعها هامسةً وابتسامة حنان تمازج نعومة كلماتها
تصبح على خير يا حبيبي
لألحق بها بعد دقائق، فتستقبلني عروسًا في ليلة زفافها
هكذا كانت تفعل دائمًا، لذا لم أفكر لمرة..مرة واحدة في الانفصال عنها..نعم كنت أخونها ولكنني لم أكف للحظة عن حبها، وما كانت نزواتي إلا نزوات تأخذ وقتها وتمضي لتأتي أخرى، وليلة البارحة حين فجأة صارحتني بضرورة الانفصال، ضحكت وأنا أداعب شفتيها بأطراف أصابعي
الآن وقد أقلعت عن نزواتي وتفرغت لك!..الآن؟..لم؟
كان ردها صاعقًا لي، نبست به شفاهٌ باردة كالثلج، وأكدت عليه نظرة ميتة من نمسٍ أطل من حدقتيها
إني على علاقة بآخر، وقد سئمت التخفي، لذا واحترامًا لك أطلب الطلاق
تجاوزتُ رصاص كلماتها البارد، وتعاميتُ عن سهام عينيها التي اخترقتني، نعم..عجز عقلي عن تصديق كلماتها، وانتابتني نوبة ضحك هستيرية، وأنا أبعثر الأحرف فوق شفتي
لا أصدقك يا حبيبتي، أراه شيطانك أوحى إليك بالانتقام مني، نعم..هو شيطانك لا محالة ولكن..لم جاءك متأخرًا، وقد سنحت لك العديد من الفرص من قبل، وتغافلت عنها، لو..لو كنت انتقمت حينها ما لامك أحد
قالت في برود وبثبات انفعالي وهى تبعد يدي عن فخذيها
يبدو أنك لم تستوعب كلماتي جيدًا، قلت لك وها أنا أقولها للمرة الثانية والأخيرة..لا أريدك، فأنا على علاقة بآخر، فلا تقف حجر عثرة في طريقي، وإلا..
قاطعتها ضاحكًا
وإلا ماذا ؟
أجابتني بعفوية يغلفها نفس الثبات الانفعالي
وإلا سأقتلك
نظرت إليها مندهشًا ومستغربًا لهنيهة ثم نهضت واتجهت إلى فراشي، وتركت خلفي كلماتي – الممزوجة بخليطٍ مزاجه حنان وحنين – تجالسها
لا..لن أطلقك فأنا أحبك، ورباطنا رباطٌ أبديٌ يا حبيبتي..تصبحين على خير
لم أصدقها البتة، لا في زعمها عن علاقة بآخر، ولا في عزمها قتلي، فتزينت لها وتعطرت بطيبٍ تحبه، وانتظرتها في فراشنا عريسًا في ليلة زفافه ريثما تهدأ وتأتي، إلا أنّ شيطانها تلكأ واستمرأ مسامرتها، وسلطان النوم اقتنص وعي، وعندما استيقظت هذا الصباح، وتفاجأت ببركة الدماء التي تحوطني، وبجسدي شبه الممزق ممددًا فوق فراشي، وبسكينٍ تجلط الدم على حوافها ملقاةً على مقربةٍ منها، وهى تجلس القرفصاء واضعةً رأسها بين كفيها..كان لزامًا عليّ أن أصدق.
محمد البنا…القاهرة في مارس ٢٠٢١
ثانيا: القراءة
القصة القصيرة تفضح الواقع المسكوت عنه، جرس إنذار لتفشي علامة من علامات الساعة الكبرى، ألا وهي: الزنا.
تلك الكبيرة التي تتغير مسمياتها تحت أسماء شيطانية تستحل الحرام: نزوة/هفوة/سقطة.. يحسبونه هينا وهو عند الله عظيم.
مع علم الزوجة بما حدث من خيانات متكررة من الزوج، وحينما تسكت وتتغاضى عن هذا الفعل الشائن المشين الصادر من الرجل/الزوج، وتغفر كأنها ربّة الحب، ثم يتمادى الزوج بفعل صكوك الغفران الأنثوية المتكررة؛ كان لزاما أن يقع ويحدث رد فعل قاس من قبل الزوجة المغدورة مرارا وتكرارا.
لأن الرب كما أنه الغفور الرحيم؛ فهو أيضا المنتقم الجبار…
وصدق الله العظيم حينما قال في كتابه العزيز في الأية الثالثة من سورة النور: “الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة،والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك،وحُرّم ذلك على المؤمنين “.
فلماذا يستحل الرجل الزنا لنفسه، ويحرّمه على الزوجة؟!
أليست بشرا من لحم ودم ومشاعر وأحاسيس؟!
النقطتان الفاصلتان في العنوان تؤكد حتمية الانفصال بين هذين الزوجين الذي تحس فيه الزوجة بالتقصير الدائم، فها هي تغفر وتتجمل وتتعطر بعد كل خيانة ووعد بالتوبة من الزوج؛ حتى تبين أنها لا تشعره بالنقص، ولا بالتقصير من جانبها في حقوقه الزوجية، ولتشعره بأنها أنثى مثل كل أولئك الساقطات اللاتي يكرر معهن نزواته المتعددة…
لكن لا حياة لمن تنادي! فلا حياة لمن لا حياء له!
وإن لم تستح فافعل ما شئت!
كان جرس الإنذار الحازم والصارم والوحيد من الزوجة يبين أنه لا بد من الانفصال؛ لأنه لم يعد لدى هذا الزوج ذرة من النخوة أو الكرامة أو الرجولة.. إذ أن بعد اعتراف الزوجة له بأنها تخونه، وتطلب الطلاق حفاظا على ماء وجهه المسفوح، يتغافل ويزعم أنها لم ولن تخونه، ولن تقتله!
رغم أنه قتلها مرات ومرات بتكراره وإدمانه للخيانة.
أدمن الخيانة؛ عالجته الندامة.. فكان القتل الرحيم علاجا ناجعا لهذا الرجل المهووس جنسيا.
ألم يعلم الحكمة البالغة: كما تدين تدان؟!
ألم يعلم أن الزنا هو الكبيرة الوحيدة التي إذا لم يتب مرتكبها وينته عن غيه وفجوره، يعاقبه عليها المولى- عز وجل- في الحياة الدنيا بأن تزني حليلته أو إحدى بناته أو قريباته… إلخ ليذوق من نفس الكأس إلى جانب عذاب الآخرة.
في الختام أحيي أستاذنا المبدع Mohamed Elbanna على قصته البديعة، متمنيا له دوام التوفيق.
في أمان الله.
الثلاثاء 2023/6/6
التعليقات مغلقة.