قراءة في قصة قصيرة بعنوان: رجل ينقصه الطمع للقاصّة المغربيّة سلوى الإدريسي Saloua Idressiبقلم: عاشور زكي وهبة
قراءة في قصة قصيرة بعنوان: رجل ينقصه الطمع للقاصّة المغربيّة سلوى الإدريسي Saloua Idressi
بقلم: عاشور زكي وهبة
أولا: نصّ القصّة القصيرة:
رجل ينقصه الطمع
.
كانت ليلة باردة جدا، دخان كثيف يملأ الشارع، لا أحد يرى وجه الآخر ..معاطف طويلة وأحذية سوداء بعضها رجالية وأخرى نسائية .. يمرون على طول الشارع إلى أن يختفوا داخل كومة سوداء لا أدري إلى أين توصل ..
.
يقترب مني أحدهم، يلقي داخل الصحن القصديري قطعة معدنية، أراقبها وهي تتأرجح، يتناغم صوتها مع صوت الأحذية التي تطرق الأرض كالأحصنة، لا أرى وجه ذاك الرجل أيضا، إنه لا ينحني، يرمي النقود من علوه الشامخ، ويمضي إلى الكومة السوداء. لقد جمعت ما يكفي لليوم فأنا لست رجلا طماعا على أية حال. دخلت داخل الكيس البلاستيكي، لأحتمي من هطول مطر مفاجئ، وضعت رأسي فوق عتبة منزل لا يهدأ من الصخب، تسليني قهقهاتهم، شجاراتهم بعد منتصف الليل، أصوات الصحون وهم يضعون طعام العشاء فوق الطاولة. أضع رأسي فوق حياتهم وأغمض عيني، أدخل منزلهم في أحلامي، أركل الباب بقدمي، أبحث عن زوجة السيد أقبلها بعنف، ألقيها على الأريكة التي لا أعلم مكانها بالضبط، أدخل المطبخ، ألتهم ما تبقى من طعام العشاء، أطل على غرفة الصغار، أضع الغطاء على الولد المشاغب، أقبله كأني والده، ثم أعود لزوجة السيد التي لازالت ملقاة فوق الأريكة، أطلب منها أن تسمعني تلك التنهيدة، ثم أغادر المنزل، فأنا لست رجلا طماعا…
.
تبدأ زخات المطر بالتراقص فوق الكيس البلاستيكي، أشعر ببعض القشعريرة، يطفئ السيد أضواء المنزل ويتركني أتحسس العتبة، خوفا من فقدها في هذا الليل المتناثر في كل مكان ..يغرق الحي بالمياه ويبدأ حلم جديد، أنا وزوجة السيد داخل قارب صغير وسط البحر، تتلاطمنا الأمواج.. أحاول الإقتراب منها، فيظهر زوجها فجأة، يركلني في وسط بطني بحذائه الأسود اللامع، وهو يقول: إنهض أيها الحقير من عتبة بابي، سأبلغ عنك الشرطة.
سلوى الإدريسي /المغرب
ثانيّا: القراءة
١. العنوان: رجلٌ ينقصه الطمعُ
جملة اسمية كاملة تُلخِّص قصة قصيرة مُقتصِدة في مفرداتها ومغزاها… ربما لو اقتصدت القاصة في العنوان كان أفضل:(جُنوحٌ) مثلًا.. جنوح في الخيال، وأحلام اليقظة لسد الجوع الجنسيّ والفسيولوجيّ والمعنويّ الذي يعاني منه هذا القانع المعترّ.
يضعنا العنوان أمام رجل في اعتقادي يتحلّى بمثاليّة يطمح إليها كل إنسان.. الطمع أساس كل الشرور منذ بدء الخليقة! وكلنا يعلم قصة ابنىّ آدم في الكتب السماويّة؛ إذن الطمع سببٌ رئيسي في أول جريمة قتل في تاريخ البشرية.
لذا كان ( الرضا بالقليل) سمةً جوهريّة لمن يطمحون في العبور الآمن من دار الدنيا الفانيّة إلى دار الآخرة الخالدة.
٢.شخصيات القصة
أ. بطل القصة: الشحّاذ
رجلٌ شحّاذ يتسوّل صدقات المحسنين، أو عبد إحسانهم، يرضى بالقليل في مواجهة جماعة تهرع إلى ضبابيّة الكومة السوداء التي أراها رمزا للدنيا وكل ما فيها من غموض وضبابيّة وعتمة وسواد ومطامع بشريّة… إلخ.
لم تحكِ القصة سبب اتخّاذه التسوّل وسيلة للعيش،هل هو من أبناء البلد،أم لاجيء بسبب كارثة طبيعية أو حرب أهلية في دول الجوار؟
إن كان من رعايا الدولة ينبغي أن توفر له العيش الكريم: سكن اجتماعي إذا كان بلا مأوى/وظيفة إذا كان قادرا على العمل/إعانة اجتماعية إذا كان من ذوي الهمم… ولا تعامله كجانح يتخذ التسول وسيلة للعيش، ولا توجه إليه تهمة التسول وتعكير صفو الوجهة الحضارية للدولة أمام الأجانب!
المتسول: رمز عدم الاستقرار في كل شيء تقريبا..لا مأوى، لا عمل، لا زوجة، لا أولاد، جانح أمام السلطات يمكن أن يكون مأواه السجن!
كما لم تذكر عمره والذي يبدو أنه في سن النضج الجنسي نتيجة جنوحه في الأحلام إلى مداعبة زوجة السيد.
ب. السيد: ربّ الأسرة رمز الاستقرار في منزل آمن/ الشرعية مع زوجة وأبناء يثيرون الشغب في مشاجرات/القوة في مواجهة القانون… إلخ
ج. زوجة السيد: وإن بدت في موقف الدفاع حتى في الأحلام مع المتسول الذي يعدها مصدر الاستقرار النفسي والجنسي له. وهي التي تظهر جنوحه الجنسي، في مقابل الزوج الذي يوجه له تهمة التسول وإمكانية تسليمه للسلطات…
د. شخصيات ثانوية: ابن السيد المشاغب/الرجل المتعالي الذي يمُن على الشحاذ بعملة معدنية شحيحة ذات رنين متراقص/ المارة في برد الليل والظلمة والضبابية بملابسهم الشتوية الأنيقة تجاه الكومة السوداء (الدنيا ومطامعها).
.
٣. الزمكان:
أ. الزمان: إحدى الليالي الشتوية الباردة الممطرة المظلمة… دومًا يرمز الليل إلى السكون والراحة؛ لكن يبدو في نظر شحّاذ بلا مأوى رمز البرد والتشرد على أرصفة شوارع لا ترحم، أو عتبة منزل يُنظَرُ إليه نظرة متشرد حاقد ناقم جانح… إلخ.
ب. المكان:
الشارع: بصخبه وبرده ومطره وسكونه وأحلامه… إلخ.
عتبة المنزل: بأحلام اليقظة والنوم.
الكومة السوداء: رمز الدنيا بمطامعها وأوهامها وأهوائها وظلمتها… إلخ.
كيس بلاستيكي: مأوى الهجوع والوقاية من المطر وعيون المارة المزدية.
ولابد أن يكون أسود كسواد الليل.
منزل السيد: رمز الاستقرار الأسري بين زوجة وأولاد للسيد، صخب وقهقهات ومشاجرات بعد منتصف الليل! وثمة صراع لفظي ويدوي بين الزوجين! ألمحت إليه القصة… دون إشارة إلى سبب المشاجرات! هل لا يوجد توافق بين الزوجين جعل المتسول يرثي للزوجة ويحاول مواساتها حتى في الأحلام؟!
والمنزل رمز الإشباع الفسيولوجي والنفسي والجنسي للمتشرد المتسول.
القارب: في الحلم رمز السفر من دنيا فانية في تعب وتشرد إلى آخرة خالدة في متعة واستقرار.
لكن حتى في الحلم يتم اتهامه بالتشرد، والتسكع، مواجهة السلطات.
.
٤. العقدة: تهمة التسوّل التي يوجهها السيد إلى الشحّاذ البائس والزجّ به في السجن!
هل المتسول ضحية أم جانح؟!
ضحية في نظر البعض، جانح في نظر البعض الأخر.
ولمن لديه سلطة الحل والربط يمكنه وضع حد لمآسي هذه الفئة التي تعاني من الاضطراب في كل شيء، وتصبح عرضة للجنوح أكثر نحو الإجرام إذا توفرت لها عوامل الاستدراج من المجرمين ذوي البأس الشديد.
وهذا ما يطلبه النص من القراء: البحث عن مخرج آمن في قارب الأمان في مقابل مطامع الكومة السوداء.
في الختام أحيي القاصة على نصها المقتصد في مفرادته؛ لكنه يحمل الكثير من الدلالات.
في أمان الله.
.
الثلاثاء 2023/9/26
التعليقات مغلقة.