موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

قراءة في قصيدة “إلى البحرِ أطوي كُلَّ مَوجٍ…” للشاعر المغربي عبد اللطيف غسري بقلم: الأديب والناقد المصري محمد عبد السميع نوح

124

قراءة في قصيدة “إلى البحرِ أطوي كُلَّ مَوجٍ…” للشاعر المغربي عبد اللطيف غسري 
بقلم: الأديب والناقد المصري محمد عبد السميع نوح

إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ…

يََخُبُّ حِصَانُ الشَّمسِ والظلُّ واقِفُ
وَأنتَ على تشْذِيبِ حُلْمِكَ عَاكِفُ

وَأوْراقُكَ العَذْراءُ سِفْرٌ طَوَيْتََهُ
وَمِنْ شَجَرِ الإحْسَاسِ فِيهِ قطائِفُ

وَلِلماءِ أُخْدودٌ يَقولُ لكَ اقْتحِمْ
عُيُونَ الشِّتاءِ الآنَ.. هَلْ أنتَ وَاجِفُ؟

دَعِ القَلَمَ الوَرْدِيَّ يَرْسُمُ دَرْبَهُ
زَوَاحِفَ ضَوْءٍ ما لهُنَّ حَرَاشِفُ

وَكُنْ وَتَرًا لا يَسْأمُ الليلُ عَزْفَهُ
وَكُنْ خَبَرًا فِي جَوْفِهِ مِنهُ طائِفُ

أوِ اخْتَرْ وُقوفًا عِندَ ناصِيَة اللظى
هُنالِكَ جِسْرٌ نازحٌ بكَ عَارفُ

بِعَيْنَيْكَ فَجْرٌ أنتَ تَنْزِفُ طُهْرَهُ
فَهَلْ شَهِدَ الرَّاءُونَ ما أنتَ نازفُ؟

تجَلَّيْتَ فِي مَعْنى الحُضورِ وَإنَّمَا
حُضورُكَ طَيْفٌ فَي القراطِيسِ هَاتِفُ

ضِفَافُ الصَّدى تنزَاحُ.. أمْسِكْ ذُيُولهَا
إذا الصوتُ مَعْنًى لِلصَّدى وَمُرَادِفُ

على عَجَلٍ أبْحِرْ بِأشْرِعَةِ الأنا
لعَلَّكَ فُلْكَ الذكْرَياتِ تُصادِفُ

تركْتَ رَياحِينًا هُناكَ نَدِيَّةً
ـ أتذكُرُهَا؟ـ حيثُ الظنونُ عَواصِفُ

وحيثُ لِسَانُ الوقتِ يَجْرَحُ حَرْفَهُ
وحيثُ قُصَاصَاتُ السؤالِ صَحائِفُ

مَتَى يَشْرَئِبُّ النَّجمُ مِن شُرْفَةِ المدَى؟
سُؤالٌ لِأسوارِ الإجَابَةِ ناسِفُ

وَنادَيْتَ عِشْتارَ القصيدةِ أنْ ضَعِي
نسِيغَكِ فوقَ الجِذعِ، فالغُصنُ راجِفُ

ألم تعْلمِي أنِّي عَصِيٌّ بنِينَوَى
وأنِّيَ طَوَّافٌ عَنِ النهرِ عَازفُ؟

إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَوجٍ وَطِئْتُهُ
أليْسَ لِأسْمَاكِي لديهِ زَعانِفُ

وإنِّّي لَمَوْلودٌ بِزاوِيَةِ الرِّضَا
وَلَكِنَّ ظِلَّ الحُلمِ في القلبِ وَارفُ

وَإنِّي لِفَتقِ الأمْنِيَاتِ لَرَاتِقٌ
وإنِّي لِنَعْلِ القافِيَاتِ لَخَاصِفُ

الرؤية النقدية

قال المرحوم الأستاذ الدكتور الناقد محمود الحسيني :” النقدُ اكتشاف وليس تفسيرا ” وهو قول أؤمن به ، وإن النص الأدبي برأي أستاذنا الرافعي رحمه الله يُكتبُ بفكر ويُقرأ بفكر آخر .
الشاعر هنا يجرد من نفسه ناقدا على المخاطب الذي قد يكون هو الشاعر وقد لايكون وليس هذا مهما .
وما يجريه الشاعر على مخاطبه هو ما يجريه الناقد على نص أدبي .. أتكلم عن قصيدة تشبه مشية غزال .
البداية صورة مرسومة لتدهش :
يخب حصان الشمس والظل واقف
وأنت على تشذيب حلمك عاكف
الأصل والظل ، حركة الحياة ، إيجابية أو سلبية الإنسان في الحركة ، عالم المثال وعالم الواقع .. يستمر الدفق الشعري منتقدا بمنطقية الواقع الملبوس بالصورة والكناية ليتحول إلى شعر عذب ٍ قريب الرمز عميق الدلالة ، القصيدة تضع القارئ في موضع الاكتشاف أيضا ولا تتركه يتحير كثيرا ، فهي تشير بأصبع إلى الخيال والحلم من خلال رموزها وتشير بأخرى إلى مفاتيح فك هذه الرموز ، ومن خلال هذا الاختيار الذي يضعنا الشاعر ويضع مخاطبه فيه تتجلى أبعاد الصراع النفسي الدائر مابين دنيا تموج بالحركة والأحداث وبين شاعر تتناثر حياته على السطور وكأنه / الإنسان حبر على ورق ، وياله من تشبيه عميق الدلالة .
اللغة ومفرداتها والموسيقى بإيقاعيها الداخلي والخارجي قدمت لنا كما قدمت في كل نصوص غسري شاعرا مطبوعا .. وهذه هي أهم ملامح هذا الشاعر الكبير .
تنتظم القصيدة في حالة نفسية واحدة من اللوم أو العتاب الدافع حتما إلى الاستنهاض أو بالأحرى التحريض من أول بيت في وحدة موضوعية .
نأتي إلى حركة الشمس وثبوت الظل ثم الأبحر والأنهار وكثير من جزئيات الطبيعة فنراها متناثرة في الأبيات في ترابط مشهدي واحد . وبتآلف العنصرين : وحدة الموضوع واتساق مفردات الصورة الفنية تنشأ الموسيقى الداخلية التي من خلالها نسمع وشيش الحركات سواء للماء أو الطيور والنجم والصوت والصدى .. إلخ ..
ويتناسب بحر الطويل مع التجربة على اعتبار أن ليالي الانتظار طويلة .. كما أنه بحر رصين وغنائيته تتلون مع كثير من الحالات الإبداعية في مرونة عالية ..
يخب حصان الشمس والظل واقف ** وأنت على تشذيب حلمك عاكف

الخبب : إيقاع مستحدث في أوزان الشعر العربي ، حين يجتمع القطع في تفعيلة المتدارك (فاعلن تصير فاعلْ) والخبن (فاعلن تصير فعِلن)ويصير الإيقاع في أغلب الأحوال كأنك تكرر : ما ما ماما بابا بابا (أو) تكْ تك ْ تكْتكْتكتك تكتك صوت عجلات القطار أو ارتطام حوافر الخيل بالأرض ، وفي هذه الحال يخلو الإيقاع من الأوتاد ويقتصرعلى الأسباب ،ولايعدو أن يكون سببا ثقيلا // يليه سبب خفيف
(فَعِلُنْ ـ ///0 )أو سببين خفيفين متتاليين ( فعْلنْ .. فعْ/0 لنْ / 0 )
وهو تسريع للأصل الذي بني عليه المتدارك (فاعلن .. أربع مرات في كل شطر)
ومن معنى التسريع الذي تؤديه الجياد في العدو حين تنقل الميامن جميعا والمياسرجميعا كانت تسمية هذا البحر خببا .
وكذلك حركة هياج موج البحر إنما هي خبب ، وأيضا الرجل يفسد الزوجة على زوجها والعبد على سيده خبب ، والخَِبُّ (بكسر الخاء وفتحها) الخائن ، نخلص من ذلك إلى أن الخبب حركة للتغيير ، وإتيان الشاعر بهذه المفردة كأول مفردة في القصيدة تفتح لنا مجالا محددا للقراءة والمحاكمة له أو عليه .
في البيت الأول : خبب حصان الشمس في مقابل وقوف الظل ، المعروف أن الظل يتحرك عكسيا مع حركة الشمس ، فإذا تحركت الشمس في الصورة الجيدة “حصان الشمس” فعلى الظل أن يتحرك ، المفارقة أنه واقف .. وتوضع الصورة الإنسانية في مقابل الظاهرة الكونية على نحو يوقف القارئ ولابد ، “وأنت على تشذيب حلمك عاكف ” والظاهر لنا أن الشاعر ينعي على المخاطب ثبوته فيما تتحرك الدنيا ، الظل واقف وأنت عاكف ، فما المانع أن افهم أن المخاطب والظل سواء .. كأننا أمام صورة عالم المثل وعالم الواقع عند أفلاطون ، وهنا انكسرت نظرية أفلاطون على يد المخاطب المعاتَب بهذا العتاب ، قلنا إن لمفردة الخبب تجليات علمية في عروض الشعر ، وقلنا إن لها تجليات في هياج البحر ، وقلنا إن لها تجليات في عدو الجياد . وهذه التجليات مطروحة في القصيدة :
أما الجياد ففي البيت الأول ، وأما الشعر ففي البيت الأخير ، واما في البحرففي البيتين قبل الأخيرين مباشرة : وهاهما :
ألم تعْلمِـي أنِّـي عَصِـيٌّ بنِينَـوَى
وأنِّيَ طَوَّافٌ عَنِ النهـرِ عَـازفُ؟
إلى البحرِ أطوِي كُلَّ مَـوجٍ وَطِئْتُـهُ
أليْـسَ لِأسْمَاكِـي لديـهِ زَعـانِـفُ
هكذا أجدني أقرأ القصيدة كنص مسكون بالحركة والإيقاع النفسي ، فأنتقل إلى البيت الثاني
وأوراقك العذراء سفر طويته وفي شجر الإحساس منه قطائف
العذرية في إحساس الشاعر أي شاعر لاتبعد عن البراءة والطفولة أو الشباب الغض ، وهنا يشير إلى أن طي كتاب الماضي ماكان يجب أن يُطوى ، لأن فيه بقية حياة ، والإحساس الحياة لاشك ، وإلا لما تحرك حصان الشمس وأنت لم تبرح مكانك ..
وَلِلماءِ أُخْـدودٌ يَقـولُ لـكَ اقْتحِـمْ
عُيُونَ الشِّتاءِ الآنَ.. هَلْ أنتَ وَاجِفُ؟
دَعِ القَلَـمَ الـوَرْدِيَّ يَرْسُـمُ دَرْبَـهُ
زَوَاحِفَ ضَوْءٍ مـا لهُـنَّ حَرَاشِـفُ
وَكُنْ وَتَرًا لا يَسْـأمُ الليـلُ عَزْفَـهُ
وَكُنْ خَبَرًا فِي جَوْفِـهِ مِنـهُ طائِـفُ
أوِ اخْتَرْ وُقوفًا عِندَ ناصِيَـة اللظـى
هُنالِكَ جِسْـرٌ نـازحٌ بـكَ عَـارفُ
بِعَيْنَيْكَ فَجْرٌ أنـتَ تَنْـزِفُ طُهْـرَهُ
فَهَلْ شَهِدَ الرَّاءُونَ ما أنتَ نـازفُ؟
تجَلَّيْتَ فِي مَعْنى الحُضـورِ وَإنَّمَـا
حُضورُكَ طَيْفٌ فَي القراطِيسِ هَاتِفُ

الشاعر يناور مخاطبه ، تارة بالحكمة ” وللماء أخدود” وتارة بالتحضيض الذي يقترب من التلويح بالتهديد :
“أو اختر وقوفا عند ناصية اللظى “
لاشك أن تعدد الأصوات داخل النص الشعري يثريه إلى حد كبير ، وللتعدد شروطه .. والقراءة العجلى توحي بأحادية الصوت ، وهو صوت الشاعر الذي لم يترك فرصة لصوت آخر .. ولكن بالملاحظة الدقيقة يتبين أن ثمة صوتين ، كلاهما للشاعر ، المتكلم والمخاطب ، ألاترون معي أن في توجيه ضمير المخاطب مايوحي بأن الشاعر يناجي نفسه بالخصوص ، والآخرين في العموم ؟
وللماء أخدود يقول لك اقتحم عيون الشتاء الآن ..حركة الماء في الأخدود ، حركة النبض في الإنسان ، حركة الحياة في الكون ، ولذلك كان الأمر : فاقتحم ـ الآن .. وهي صياغة تنقل إلى الإحساس دفق الماء وتوازيه بالطلب (فاقتحم) ثم يعقب ذلك الاستفهام المحفز أو المؤنب (هل أنت واجف) وبعد اقتحام عيون الشتاء والتماهي في الماء سر الحياة تتفتح الورود حتى لتتورد الأقلام، وإلى أي حد تخرجنا هذه اللقطة من قمقم الحزن إلى انفتاح البصيرة على الجمال والفأل الحسن :
“دع القلم الوردي َّ يرسم دربه
زواحف ضوء مالهن حراشف “
وهذا أمر آخر ، وقد كنى عن الإنسان بالقلم ، ولايرسم القلم حرفا ولا صورة وإنما يرسم الدرب .. لن أتمادى في القراءة التأويلية ، فقط أشير إشارات سريعة ، في ثلاث جمل تتشكل صورة جميلة : عيون الشتاء ـ القلم الوردي ـ زواحف ضوء ) ولولا أن زواحف الضوء مالهن حراشف ماكان لها هذا الجمال . وهي بذلك دعوة لتنقية الحياة من القبح والزيف والغثاثة .
ويوضع في مقابل ذلك ” أو اختر وقوفا عند ناصية اللظى .. هنالك جسر نازح بك عارف
يكفيني “ناصية اللظى ” في مقابل ما إذا رفض المخاطب الدعوة الوردية .. أما كون الجسر النازح عارفا بتكرار معاناة المخاطب فأرى أنه مطروح في سائر النص ، ولاأدري تماما هل من ضرورة ملحة لإيراده ، أم أن ذلك أمرا خاصا بالشاعر مما استأثر به في طويته ، ولكنه واضح الدلالة في معنى الترهيب من التقاعس عن تلبية رغبة المتكلم / الشاعر .
يعينيك فجر أنت تنزف طهره .. فهل شهد الراءون ما أنت نازف
حيثية أخرى من حيثيات الاستنهاض بالترغيب والترهيب ، وهي حيثية من الجمال الموسيقي بمكان ، كما أنها تقدم ورقة جديدة كحجة دامغة ، ونهتز كثيرا إذا قرأنا البيت ” أمامك فجر ” أو ” ودونك فجرا” أو ” بوجهك فجر ” ثم نقرأ ” بعينيك فجر ” فذلك أدعى إلى الاهتزاز والانفعال ، وتلك الحالة من النزف المستمر للطهر ، التحذير يعلو وتعلو وتيرته بدرجة متنامية عبر الأبيات ، النص متحرك موقف إلى موقف ، ومن أطروحة إلى أخرى ، ومن حجة إلى حجة ،
تجليت في معنى الحضور وإنما حضورك طيف في القراطيس هاتف ..
التحول من الحلم إلى الواقع ، من التطيف إلى التجسد هو القضية الآن ، يرى الشاعر أن حضور المعاني وحدها ليس كافيا للإقرار بتمام الحضور ، وكأنما هو في سياق المثل القائل ” حبر على ورق ” البيت يتناص مع هذه المقولة ، ومن أمثال هذه المفاتيح للنصوص الحديثة نتلمس الطريق إلى انفتاح الدلالة إلى ما هو أكثر اتساعا من شخص الشاعر ، فقضايان كلها حبر على ورق ، وفلسفاتنا كلها حبر على ورق ، وابتكاراتنا لم توضع على أرض الواقع كتقنية حديثة ، بل وبكل أسف كثيرا ما تكون مواقفنا العقدية الرائعة والمذهلة مجرد اقتناع عقلي بلا رصيد من العمل ، والإيمان كما هو معروف ما وقر في القلب وصدقه العمل ..
أختم بالفعل “تجليت” والجمع”القراطيس” وهو ملح شديد الدلالة على الشتات ، فالمتجلي مفرد والمتجلى عليه كثير ، إضافة إلى اسم الفاعل (هاتف) الذي يعني الثبوت على حالة الجمود هذه مقدِّما لذلك بأداة الحصر (إنما)وعن الحضور يتكلم عن معناه بما يناسب القراطيس ولم يتكلم عن الحضور المادي الذي هو ضالة المتكلم والمخاطب على السواء . وكلمة الطيف تتمم هلامية كلمة (المعنى) حول قضية الحضور الورقي المرفوض .
الشاعر عبد اللطيف غسري يطرق الذائقة دائما بكهرباء الشعور فيغريني بالكتابة ممسوسا بإبداعه المتميز.

التعليقات مغلقة.