قراءة نقدية في قصة قصيرة جدا بقلم عاشور زكي وهبة والقصة بعنوان هلوسة للأديب السوري المبدع نزار كوبوكيه
قراءة نقدية في قصة قصيرة جدا
بقلم/ عاشور زكي وهبة
والقصة بعنوان ( هلوسة ) للأديب السوري المبدع نزار كوبوكيه
أولا : القراءة النقدية:
في بلد متعدد الطوائف الدينية والجماعات الإثنية والعرقية، وقعت فيه الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونشبت فيه حرب ضارية تأكل الأخضر واليابس، وجد بطل قصتنا القصيرة جدا نفسه فجأة وسط معركة.. أو هكذا أراد له الراوي (كاتب القصة). وهكذا وضعنا جميعا كقراء مكان هذا البطل..
واستخدم الكاتب الأفعال المضارعة التي تفيد التجدد والاستمرار: فهو يحكي لنا قصة معركة ما زالت حامية الوطيس.. ويضعنا في غمارها، لأن كل منا ينتمي لطائفة دينية يمجد شعائرها، كما ينتمي لأقليم او جماعة عرقية يعلي من شأن جذورها وتاريخها. والأدهى أنك قد تكون منتميا لجماعة عرقية ذات انتماءات طائفية مختلفة، مما يجعلك في حيرة من أمرك إلى أيهم تميل! ( ولم تكن تعرف في أي إتجاه تقاتل)
هذا يدفعك إلى أن تتخذ موقف الحياد المؤقت:( تقرر الاختباء خلف جدار، ثم تجلس لتراقب)
تراقب لمن تكون الغلبة حسب اعتقادي، واعتقاد الكاتب. عين الرقيب هذه ليست عبثا، فأنت تريد الظهور فقط بجانب الفريق المنتصر في هذه الحرب الخاسرة.. وهذه إحدى آيات المنافق.
تريد أن تحصد فقط الغنائم، دون أن تصاب بأذى.. والمنافق إلى حزب الشيطان أقرب وأضل سبيلا. المنافقون مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
ولكنهم لمعسكر الشيطان مؤازرين ومنتمين. والساكت عن الحق شيطان أخرس.
( تمد رأسك قليلا، فترى قتلى يسقطون بالقرب منك)
ها أنت ذا تتجرأ وتمد رأسك لتغامر بها، وهكذا سولت لك نفسك الأمارة بالسوء أن تنحاز لشيطانك وتنحاز إلى فئة رغم أن الفتن تملأ المكان…
( إذا التقى المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار، لأن كل منهما حريص على قتل صاحبه) هكذا قال المصطفى صلوات الله وسلامه عليه.
( تتردد قليلا قبل أن تخرج لتغرس رمحك في قلب عدو لا تراه)
ما زلت بين شد وجذب لتعدد انتماءاتك، وتصبح أخيرا من الخوارج لتغرس رمحك في قلب عدو غير مرئي! ترى من يكون هذا العدو؟! نفسك؟! أم شيطانك؟!
(يقفز أحدهم من داخلك… يغيب قليلا ثم يعود إليك حاملا تاجا مرصعا)
ترى من قفز من داخلك؟! روحك؟! أم الشيطان الذي يجري في دمك مجرى الدم من العروق؟!
لقد خرجت في سبيل التاج المرصع الذي وعدك به الشيطان.. ولكنه وعد الغرور!( وما يعدهم الشيطان إلا غرورا)
(تذهب إليه زاحفا على ركبتك، تتحسس الأرض وأنت تسأل: أين رأسي؟!)
ها أنت إلى تاج الملك زاحفا على ركبتيك دون رأس. وأين يوضع التاج طالما فقدت رأسك وعقلك ورشدك؟!
وتسأل السؤال الوجودي:أين رأسي؟!
ضاعت في حرب القبائل والولائات والانتماءات والأحزاب المتقاتلة:( كل حزب بما لديهم فرحون)
وفي الختام أعود إلى العنوان ( هلوسة)
الإنسان المهلوس حسب علمي هو من يتعاطى حبوبا للهلوسة تتجعله فاقدا للعقل والإحساس بما يدور حوله: فيرى أشياء غير موجودة، ويقوم بأفعال غير مألوفة أو متزنة.. وهذا حال الساقطين في الفتن.( وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد)
بالتأكيد عذاب الأخرة، بعد فقدان العقل والرشد والتمييز بين الخير والشر بفعل هلوسة الفتن.
اللهم جنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
في الختام تحياتي للأديب المبدع/ نزار الحاج علي على قصته البديعة.
في أمان الله.
الثلاثاء 9/11/2021
ثانيا : النص
هلوسة
تجدُ نفسك فجأةً وسط معركة، و لم تكن تعرف في أي اتجاه تقاتل؛ تقرر الاختباء خلف جدار، ثم تجلس لتراقب.
تمدُّ رأسك قليلاً، فترى قتلى يسقطون بالقرب منك، تتردد قليلاً قبل أن تخرج لتغرس رمحك في قلبِ عدوٍّ لا تراه؛ يقفز أحدهم من داخلك…يغيبُ قليلاً ثمّ يعود إليك حاملاً تاجاً مرصعاً؛ تذهبُ إليه زاحفاً على ركبتيك، تتحسّس الأرض وأنت تسأل: أين…رأسي؟
نزار الحاج علي
التعليقات مغلقة.