قراءة نقدية في ومضة الكاتب الجزائري بوعلام غريبي تاريخٌ نقَّبوا المناجمَ وجدوا الجماجم بقلم عاشور زكي وهبه
قراءة نقدية في ومضة الكاتب الجزائري بوعلام غريبي :
تاريخٌ
نقَّبوا المناجمَ؛ وجدوا الجماجم.بقلم عاشور زكي وهبه
العنوان: تاريخٌ
إذا كان العنوان عتبة النص، فإن المفردة النكرة تاريخ توحي بالكثير. تاريخ مصدر من فعل رباعي مضعف العين (أرَّخَ)..والتاريخ علم من العلوم الإنسانية التي تبحث في الأحداث التاريخية، وتأثير الإنسان على الأرض عبر العصور التاريخية المختلفة.. هذا التأثير سواء كان سلبًا أو إيجابًا من الحكَّام أو المحكومين على ظهر الأرض.
وقد دخل علم التاريخ في شتى العلوم، نذكر منها مثلًا: تاريخ العلم، تاريخ الطب، التاريخ الطبيعي، تاريخ الأدب… إلخ.
صدر الومضة: نقّبوا المناجم.
يتكون الصدر من كلمتين وضمير متصل(واو الجماعة). الفعل الماضي (نقّبوا) يعبر عما يقوم به الإنسان لإعمار الأرض واستغلال مواردها الجوفية من مصادر الطاقة، والمعادن المفيدة والنفيسة زينة الحياة الدنيا. المفعول به معرفة (المناجم) جمع (منجم) والجمع يفيد الكثرة والوفرة لما تجود به الأرض على من يسعى في مناكبها، فما بالك بمن ينقّب فيها باحثًا عن خيراتها الزاخرة في باطنها..
صدر الومضة عمل إيجابي يبغي الإعمار والاستغلال الإيجابي لباطن الأرض.
من المنطقي أن: من جدّ وجد، ومن زرع حصد.
فماذا وجدوا؟!
عجز الومضة: وجدوا الجماجم.
كذلك تكون العجز من مفردتين وضمير متصل، نفس الفاعل الموجود في الصدر (واو الجماعة).
هنا تظهر لنا النتيجة السلبية! لقد وجدوا (الجماجم) جمع (جمجمة) وهي هيكل الرأس العظمي رمزًا للموت والخراب والدمار؛ وليس الإعمار. تطالعنا صورة الجمجمة، وعليها علامة ×
لتعبر عن خطر الموت، والرعب المقيم…
هذا الرمز يبين للإنسان بأن نهايته ستكون في باطن الأرض.. منها وإليها نعود.. فلا تغتر بقوتك وسطوتك إيها الإنسان!
المفارقة والإدهاش:
إذا كانت الومضة القصصية تتكون من شطرين:
صدر موجب، وعجز سالب.. ليحدث التصادم ونرى الوميض في سماء الومضة يسطع، ويشحذ الفكر.
فإن التنقيب عنصر التعمير والحياة؛ تلاه الجماجم رمز الموت والخراب.
المناجم الزاخرة بالخير، ممتلئة بهياكل عظمية لجماجم خالية من الحياة.
جماجم لأناس كانوا ملء السمع والبصر والعقل الراجح. أصبحوا أثرًا بعد عين.
التاريخ البشري مليء بالممالك والأمبراطوريات عبر عصوره المختلفة.. من الفراعين والبابليين والرومان والعثمانيين… منهم من ملأ الأرض جورًا وجماجم، ومنهم من ملأها عدلًا وعمارًا.
منذ بدء الخليفة نظر الملائكة إلى الجانب السلبي من الإنسان:” قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبح بحمدك، ونقدس لك، قال: أنا أعلم ما لا تعلمون…. ” الأية.
منهم من جدّ في الخير، ووجد الحصاد المثمر؛ ومنهم من نقّب ظلمًا فجعلهم حصيدًا خامدين.. و”تلك الأرض نورثها من لا يبغون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين”.
التكثيف والجمال في الومضة:
الومضة مكونة من ست كلمات موجزات اختزلت كل الأحداث التاريخية سلبًا أو إيجابًا.
ومن جدّ وجد..! Qui creche trouve
بالفرنسية ببن التنقيب والإيجاد منطقية.
الجمال في الومضة الجرس الموسيقي المطرب بين المناجم والجماجم، رغم التضارب بينهما.
في الختام أهنيء أستاذنا المبدع بوعلام غريبي على ومضته المتوجة، وأتمنى لكم قراءة ممتعة.
بقلم/ عاشور زكي وهبة ( مصر)
الجمعة 12/3/2021
التعليقات مغلقة.