موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

قراءة نقدية للأديبة والناقدة الأكاديمية كنانة عيسى للقصة القصيرة “عيون في العتمة” للأديب الفلسطيني جمال الخطيب

1٬110

قراءة نقدية للأديبة والناقدة الأكاديمية كنانة عيسى للقصة القصيرة “عيون في العتمة” للأديب الفلسطيني جمال الخطيب

الدراسة :

مرارة الواقع المعاش ومنطقية الرمز



‏يقول الإمام علي ابن أبي طالب، عليه السلام، كرم الله وجهه، خليفة المسلمين الرابع
، المتوفى في ٤٠ هجرية،
(المرء مخبوء تحت لسانه) .
فنطرح ذلك السؤال على أنفسنا في هذا المصاب الكبير، في كارثة الانتماء الوجداني الإنساني القلق، حول متغيرات قدرية نعجز أمام قسوتها، كيف يمكن لكاتب متمكن مثل جمال الخطيب، أن يجيد الإقامة في النص، فيجعله ذا أبعاد حية، تتقمص التأويل الأدبي في اغتراب وتمرد، و تجسد الواقع المرير كثورة نفسية مدوية.
‏وتتنفس الحقيقة الموجعة في سرد أشبه بتقمص لإدراك حاد لا يخطئ، لتؤثث خيال القارئ المشبع بقهر واقع محبط مدمر ومؤلم يعايشه بمرارة العجز ونقمة الضعف، برموز من لحم ودم تشارك في سرد المأساة التي قد بدأت للتو ولن تنتهي لوقت طويل، فيستفز إنسانيته الحبيسة في أبعاد المكان والزمان، الخاضعين لأوجاع عربية سورية كممها تخاذل الآخر و لا انتماؤه، فيطلق العنان لعروبته النازفة لتنثر تناولا شموليا متكاملًا يقض المضاجع ويثير ما تبقى من حنق عالق في الحناجر، يغدو فيه السقف اللصيق بوجه الطفلة العالقة تحت الأنقاض مدخلًا رمزيًا لكل الخيبات المعلقة في قلوب المشردين، المنكوبين، الذي لفظتهم الحروب على هامش الوجود الإنساني جوعًا وتغريبًا وقهرًا وغربةً لتفترسهم أنياب بشرية أخرى يبدو فيها الزلزال المدمر أكثر رحمة و شفقة. وعطفَا.

إن هذه الإقامة الجبرية في النص هي بصيرة أدبية مجتثة من معاش قاهر، خرق ظروف المنطق والقبول وغيّر طبيعة دوغماتية الفكر الجمعي الإنساني و وعيه تجاه كارثة هذا القرن، أن تصفع قارئك لينظر نحو الحقيقة في الاتجاه المعاكس.

تطويع الرمز وفلسفته

السقف الاسمنتي الصقيعي هو مدخل لعالم الأوهام الذي ترسمه طفلة سجينة تنتظر الموت، نافذة واسعة لخيالات عميقة تتدفق من الذاكرة الموقوتة، هلاوس بريئة تجبرها على التشبث ببقايا حياة لا تشبه الحياة بل تشبه احتضارًا بمدة صلاحية تسخر من أمل لا يحدث ومن حلم لا يتحقق ومن واقع يزداد ظلما و تعنتا. الرمز هو فلسفة البحث عن الشيء المبهم، اللامعقول الذي يغلف الحقيقة الموجعة بالدهشة واللاتصديق ورفض وامتهان القيم الإنسانية التي تستفحل داخل كل وعي فردي، وتثير آلاف الأسئلة الوجودية بين العقيدة والاعتقاد، بين المقبول والمستهجن وبين الواقع وبين زيفه. وبين قسوة البشر ووحشيتهم أو إنسانيتهم ورأفتهم.
السقف والحمى وقطرة المطر المثلجة أدوات ترسم المشهد لتبقيه حيا في أذهاننا.

الحوار المدجج بالسوداوية القصدية

يجبرنا الخطيب على مشاركة الأبعاد المرئية الحسية في حكاية تبدو تخيليية المذاق في بنائها الفني، من مقدمة شيقة لأزمة ذائقة تفكرية يضيئها حوار العابرين فوق الأنقاض، لحكاية ما زالت تحدث حتى الآن يتشارك قصها علينا نحن المتورطون كشهود فقدوا بصيرتهم وحولهم وقوتهم ،لصوص مارقون و
تجار أعضاء نجسون، وعمال إنقاذ عاجزين يصدرون البؤس كاستشراف مستقبلي لرحلة عقل الراوية في المكان المنكوب المحاصر، نحو نهاية محتومة لا سعادة فيها ولا رخاء كنهايات الحكايات الطفولية.
أبدع الكاتب باستخدام الحوار وزجه كمرآة تعكس جزءً من الحقيقة بعين الضحية المنكوبة في عالمها الاسمنتي المظلم. عالم الحقيقة المجردة من كل معيار أخلاقي. والتي تضج بأصوات العالم العلوي البائس بشروره ولا مبالاته.

الخاتمة المقفلة على استشراف تحذيري

يصر الكاتب على خلق منهج رفض،لخلق الصدمة، لا نرى هنا حشدًا إيجابياً يصفق لنجاة الطفلة، ولا نسمع خطى المنقذين وتكبيراتهم، ولا أصوات آليات الجرف العالية، بل أدبًا رفيعًا مستفزًا ينبثق من الانغماس في حراك العصر المشحون بالتأزم والعنصرية واللامبالاة واللاإنسانية نحو شعب منكوب نال الجميع من روحه وأمله وحقه بالحياة، جله تسليط الضوء على ضمائر لا تبصر النور و لا تعرف إلا مذاق السقوط، على وحوش بشرية مضغت قلوبها الفاسدة و وجدانها المريض، في أزمة مفعمة ب (الآن) كديمومة تحذيرية لما سيحدث لاحقًا من تهاون وخذلان وإخفاق على المستوى الإنساني بكل تردداته.
ورغم أن الراوية السجينة في ظلمة الإسمنت الصقيعية، كانت تنتظر قطرات المطر المعدنية المثلجة لتبقى على قيد الحياة، وتستجدي بذكريات حياتها الشريدة الرمق، وتخاطب أخيلة أشباح جثث تشاطرها (العتمة) مناجية ذاتها الطفولية الكسيرة،إلا أنها ستبصر النور في النهاية متحدية قطعان الضباع بإرادة الحياة الطفلة التي تبرر كل شيء.

دام القلم المبهر.. الواثق. أستاذ جمال الخطيب
ومعا في التلاحم لأجل مصابنا الكبير في وطننا الحبيب (سوريا) و حزننا العميق على فقد عوائلنا وأصدقائنا وأطفالنا و كارثتنا التي ما زالت تحدث بكل جبروتها، الرحمة لأرواح الضحايا والمفقودين، والصبر لذويهم و الجبر لمن فقد سكنه ومأواه وأحلامه والرحمة لمن لا زال سجين الاسمنت مصغيًا لخطوات وأصوات العابرين. بانتظار رؤية السماء مرة أخرى.
وتحية من القلب لكل من كان إنسانًا في هذه الكارثة المفجعة.

النص : عيون في العتمة..بقلم : جمال الخطيب “ قصة قصيرة “



‏المكان مظلم وبارد ..يهبط سقف الغرفة الخرساني الغليظ من مكانه، يحاصر جسد الصغيرة، ويكاد يلامس أنفها، تنصت لارتداد أنفاسها عنه.. لم يتوقف الزلزال منذ سنوات ولكنه كان صارماً هذه المرة على مدن المشردين.

” كان سقف البيت على بُعد سنتمترات من وجهي، ظننت أنني مصابة بالحُمّى، سمعت الصوت المخيف، ولكنه ليل الحمى الذي يأتيني منذ تركنا بيتنا في صقيع تلك السنة ” .

‏لا بصيص ضوء في عتمة الحصار القاهرة، تلك الوحشة التي يصنعها القدر عندما يتسمر السقف على بعد نظرة عينين مشردتين، وعادة ما يكون صقيع النكبات لاذعاً.

” منذ مدة تسطو هلوسات الحمى على عقلي ويهبط الغطاء والسقف على فراشي حتى يلامس أنفي..سيرتفع بعد قليل إلى مكانه وأرى لمبة الضوء، وستستيقظ أمي من تعب النهار وينهض أبي لصلاة الفجر، سأطلب منها كأس ماء وتعرف أنني مريضة ، وقد تعطيني حبة الدواء تلك التي تأخذها من الصليب الأحمر وينتهي هذا الليل ” .

‏مرعبة هي الأقدار عندما تضعك بين حصارين ..يقف السقف على بعد رمشة عين، ويضيق عليك الخناق ..ويغلق على صدرك ..
‏ تنصت هلوسات الحُمّى إلى أصوات الخارج :
‏- هذه المدن محاصرة منذ زمن ولا أحد يكترث بها ، ونريدهم صغاراً وأحياءً، الكُلى تفسد وهم ميتون.
‏- هذا الطفل ميت منذ الصباح، اسحبه من قدميه ، ما زالت قرنيتاه جيدتين ، الصقيع يحافظ على الأجساد مدة أطول، وباقي الأعضاء تتلف .
‏- لا تفتش جيوبهم، هم معدمون فقراء، وهذا ليس مكانهم .

‏ يحدق السقف في عيني الطفلة بسخرية .
‏” ستصحو أمي بعد قليل وينتهي كل هذا ..وسينهض أخي الصغير في الصباح ليصرخ كعادته..كل هذا سيزول .. منذ أن خرجنا في ذلك العام المرعب وهذه المخاوف تلازمني ” .

‏يتسمر السقف في اليوم الثالث أمام الحدقتين الصغيرتين دون حراك .
‏- لا صوت تحت هذه الأنقاض، ثمة عائلة كانت تسكن هنا .
‏- بحاجة إلى آلآت ثقيلة، كي نرفع هذه الخرسانة، ولن تصل، معزولون نحن عن العالم ولا اتصالات منذ الحصار ، دعهم في سكينتهم تحت الردم .

قيل ان طعاماً ومؤناً في الطريق .
‏- لا تأمل ذلك، سيأخذها أولاد الحلال على الطرق، وتظهر في الدكاكين بعد أيام ، علينا أن ننبش عن الناس بأيدنا.

تستمر العتمة ويتسمر السقف في مكانه صامتاً قرب الأنف..
‏ يتسرب خيط ماء مطر مثلج على الوجه الصغير خلال الحطام، يتلقفه فمها بشغف.
‏” ها قد استيقظتِ يا أمي، لم لا تشعلين الضوء ؟ هل سأذهب إلى مدرسة الخيمة ؟ المعلمة تظل غاضبة منذ اختفاء زوجها، وأولادها لا يكفون عن الصراخ ” .
‏يتزحزح السقف مع همهمات مبهمة :
‏- هذه طفلة أخرى ، ما زال جسمها دافئاً ، الجميع موتى، ولا ندري إن كان هناك جثث أخرى .
‏- هي بين الحياة والموت ولا طبيب لإنعاشها ولا مشفى ، ولا مكان دافىء نضعها فيه .

‏ تنفرج زاوية في حصار السقف، مع حركة بطيئة ، تغمض الصغيرة عينيها.. تخاطب امها :

‏” هل ستتركيني يا أمي ؟؟ .

” لا يا حبيبتي، ستأتين معي، غداً عطلة ..عودي إلى النوم الآن ” ينكشف السقف في اليوم الخامس و ‏يرتفع عن وجه الصغيرة .
‏ ينكشف أكثر ويصبح لونه ازرقاً وردياً.

التعليقات مغلقة.