قراءة نقدية للناقدة المغربية رجاء البقالي في القصة القصيرة جدا “أسباب” للقاص الأردني أسامة الحواتمة
القراءة النقدية بقلم الناقدة المغربية رجاء البقالي
صعب جدا أن يولد نص من رحم النص الأصلي، فيوحي باستقلايته و هويته ، خاصة لو كان الأصل هو النص الديني..
الإشكالية تبدو معقدة فعلا و نحن نقارب البشري قياسًا على الإلهي ..
لكن و في هذه القصة القصيرة جدا، أتصور أن المشهدية الموغلة في أعماق الذات، ترتقي إلى الكوني في إطار صراع الخير و الشر، ليكون موسى عليه السلام و فرعون رمزين دالين على عمق هذا الصراع الأزلي ..
شعرية التناص لغة و مشهدية و صورا، تتيح لنا فك شفرات تبدو أساسية في محاولة إضفاء الكوني الإنساني على المشهد:
شيفرة العصا و شيفرة التابوت و ذلك البعد الحدسي الرؤيوي للنبي موسى مدعما بالوحي الإلهي يحيل عليها العنوان :
أسباب..
الأسباب التي لا ترتبط بالمسببات، بالنتائج بروابط منطقية وفق قانون السببية،
بل هي القوانين الغيبية المعجزة و المتعالية على أي تعليل بشري عقلي قاصر
عنصر من الطبيعة، الشجر، الخشب و قد خبِر الماء، خبره و هو يحمل موسى رضيعا هربا من فرعون و جبروته، ثم يعيده إليه يتربى في قصره ليكون هلاكه غرقا في اليم على يد هذا الرضيع و قد أصبح نبيا..
لغة الماوراء التي حدست أبجديتَها أم نبي، فسلمته مطمئنة إلى الماء يحمله ارتدادا إليها ترضعه، حتى إذا ما شب و هرب و اتباعه من ملاحقة فرعون و جنوده له، لجأ بوحي إلهي إلى العصا، إلى شيفرة الخشب، التابوت الصغير ، لتفلق اليم، تشق البحر فينجو و أهله، فيما يستحيل التابوت الصغير تابوتا عظيما من ماء يثوي فرعون في قراره المعتم.
ما أجمل اللحظات الأخيرة مشهديا في النص، و ما أبلغ الحوار بين فرعون و اليم، فرعون و هو يلجلج في الماء، يدور في اندهاش و حيرة و يأس:
بربك دلني ، كيف استجبت له؟
سؤال محير لخص حكاية فرعون نصب نفسه إلها، و ها هو في لحظة النهايات يسأل البحر بصدق العاجز، عن سر نجاة موسى:
أي رب أقوى منه و هو الفرعون الإله؟
كيف يكشف الحجاب في اللحظات الأخيرة عن حقيقة مرعبة؟
وهم الألوهية…
و لليم رده المجلجل المتفجر من مياه ما تزال تترقرق بوهج روح الرضيع، لعل لغزها في شيفرة الخشب،
ذلك الامتداد التحاوري بين كائنات الطبيعة، بين التابوت الصغير و العصا و اليم ..
لكن أنى لفرعون الذي لا يؤمن بمعجزة نبي، و الذي لم يخبر غير لغة الاستعباد و الظلم أن يفقه خطاب الطبيعة، و أسرار وحدة الوجود التي كانت معجزة النبي موسى عليه السلام واحدة من المعجزات الإلهية الخارقة لعقلنا المحدود لولا فسحة الروح في عالم ماورائي نلجه حدسا لتلمس الخير، الجوهر..
إجابة اليم البليغة و الصادمة تحسم بجمال صراع الخير و الشر في الذات:
“أمواجي التي حملت تابوته إليك، علمته كيف يشق البحر”
قد يقال إن الخير لن ينتصر إلا بمعجزة إلهية يخص الله بها الأنبياء،
لكن جمال التناص ،شعريته و مشهديته المعبرة، و لغته الرمزية، و حتى موسيقى كلماته بما تحمله من دلالات الحيرة و التردد و الغضب
مثل لجلج و جلجل
ذات الحروف لمعنيين حسم آخرهما دهشة و مخاض الغريق و هو يهوي إلى اعماق ظلمات البحر،
جمال التناص لاشك أنه أيقظ في الذات تلك الفطرة المحاصرة دوما من نزعة الشر، و جعلنا نبحث عن معجزات في الذات، في ثنايا الباطن ، تلك البؤرة المشعة التي تصلنا بما لا نراه..
تحية إلى النص الشائق ..
مغامرة هي حقا ولادة نص من رحم نص، فكيف لو كان الأصل نصا دينيا ؟
التناص في هذه القصة القصيرة جدا أحسبه خلق هوية سردية تتمثل في بعده الرؤيوي الكوني.
أسباب بقلم أسامة الحواتمة/الأردن
بعدما فتحَ المَاءُ لصاحب العصا دَربَ المستضعفين؛ لجلج الغريقُ في أعماق الظلمات: -بربك دُلَّني، كيفَ اِستَجَبتَ لَه؟!
جَلجَلَ اليَمُّ بِفِلقَتَيهِ: -أمواجي التي حملتْ تابوته إليك، عَلَّمَتْهُ كَيفَ يُشَقُّ البحر!.
التعليقات مغلقة.