قريبا في المكتبات
ديوان أشواق حائرة للشاعرة المبدعة سيدة القصاص
في مقام التقديم …بقلم : عاطف الجندي رئيس شعبة شعر الفصحى باتحاد الكتاب والأمين العام السابق
من ريف مصر خرج العظماء ليسطروا التاريخ في شتى المجالات ،بما يملكونة من خيال خصب وقدرة على رسم واقع جميل ، لأنهم عاشوا هذا الجمال والصفاء النفسي في بيئة لها جمالها الآخاذ وهدوءها المتحد مع عادات وتقاليد خاصة تحترم وتوقر الجميع ، مع إيماني الشديد بأن كل بيئة ومدينة وقرية مصرية لها نفس السمات تقريبا ، ولكن يبقى الريف بصفاء العين ، ورؤية الحقول ونقاء الجو ..عاملا كبيرا فى خروج شعراء من الريف لهم أسلوبهم الخاص ومفرداتهم التي تعبر وتتسق مع واقع معاش ، فنرى في شعرهم مفردات القرية الطبيعية من حقول وأشجار وعصافير وزهور وقنوات ري ….
فقاموس الشاعر القروي أو ابن القرية هو كذلك ومن الشعراء المجيدين في هذا المجال شاعرة من ريف مصر وبالأخص محافظة المنوفية وهي الشاعرة المجيدة ( سيدة القصاص ) بنت عزبة المعاشات بمركز أشمون ، والتي صدر لها من قبل ديوانان هما : ديوان (“لما العيون اتكلمت) و(مواويل من حواري القلب ) وهذا هو ديوانها الثالث ( أشواق حائرة ) والتي تؤكد فيه قدرتها على كتابة القصيدة التي تنتمي للجمال وتبحر فيه بمفردات بسيطة وقادرة على خلق حالة إبداعية يتعاطف معها المتلقي في ثلاث وثلاثين قصيدة شعرية بالعامية المصرية ، وبالفعل هذا ديوان وليس مجموعة شعرية لأنه ببساطة ينتمي إلى الأسلوب الرومانتيكي المعتمد على العاطفة والعشق للجمال في كل شيء فلو نظرنا إلى عناوين القصائد سنجدها (بلاش بلاش / يا مسافر / بطرف عنيه / مجرد ظلم / واقول تاني / بلاش نغني ظلموني / جاى ببلاش / بريشة انسجام / زقزق العصفور / موج الحب / فين ايامكم / ما تخافش / ده بعدك / فوق السكك / ع الناصية /
ع بابه / حب في حب / دبحوني / بيتشاقي / طرت وراه / طب فين ؟ / ويرسم شط / إمتي ؟ / شواشي القرب / صبحك / ألف حب / في رحابي / محتاج جوارك /صهد أشواقي / نفسي أدوق / لما العيون إتكلمت / ع الترعة / مش دايمة )
فلو قرأناهذه العناوين كما هي فسنشعر بأنها قصيدة ولو أخذنا كل عنوان على حده لوجدنا أن هذه العناوين بسيطة وفي أقل عدد من الكلمات ورومانسية معبرة ودالة على اتجاه الديوان .
الرومانسي الحزين .
ففي قصيدة ( بلاش بلاش ) التي تبدأ بها قصائد الديوان وكأنها تعبر عن حالة الديوان الرومانسي الحالم والحزين في نفس الوقت فتقول : ” يا مغسلين قلبي بالرَّاحة / خِفُّوا عليه / بلاش بلاش الكفن / وكحلوا لو عينيه / خدوا من عطور حبي / ورشرشوا فوقه / من ..راسو… للأقدام ”
والرغم من أنها شاعرة ريفية لكن نجدها متابعة للأحداث ومعاصرة لكل المفردات ، فهي المتواجدة بشعرها العامي الجميل على مواقع التواصل الاجتماعي ويظهر ذلك في قصيدة بعنوان : ( يا مسافر ) فتقول : صفَحات ودنسها ( الهَكَر ) / والشِعر وَاقف مُنْكَسِر ”
ولا يخفى على أحد كلمة الهكر هنا وهو اسم يطلق على لصوص الإنترنت .
وهي المتسقة مع التراث الديني كما في قصيدة ( يا مسافر ) ” الشعر جاع / والحوت فتح جوف الكلام / وفتاه ….بيجَهِّز وَجْبِته /( ذا النون ) يا أسطورة حياة / إمْلا ظلامِي بالأمَل يحلَي العمل / واضرب برجلك يا قلم يطلع لقلبك / ميت نهار “
ونجدها تخاطب القلم الذي تكتب به فهي المعلمة والشاعرة المجيدة التي تكتب الشعر في حوارية جميلة كما قصيدة بعنوان ( بطرف عينيه ) فتقول : “فجأة لقيته انتفض / وبيرتعش مني / فندهت أيه يا قلم؟ / مين زعلك قول لي؟ / قاللي حروفك ألم / بتفِتْ ف سناني / فكيني يا مُبدعة / فكيته قام يجري /غمز بطرف عنيه / قاللي يا حلوة سلام ”
وتخاطب الصبح في قصيدة أخرى بعنوان ( جاي ببلاش ) فتقول : يا صبح…تعالي واسمعني
/ قلوب الناس بتوجعني / باشوف الفرحة ما بتصحاش / تعالي يا صبح صحيها / باشوف الهم جاي ببلاش “
ومن أجمل قصائد الديوان قصيدة بعنوان ( فين أيامكم ؟) والقارئ الواعي سيشعر بأنها لوحة مرسومة بالشعر تصف لوحة حقيقة لفتيات ريفيات بملابسهن المزركشة ،ويحملن جرار الماء من الترعة فتقول في بداية القصيدة (الله علي أيامكم الحلوة / واحشاني /لا يوم نسيتها ياناس
ولا قادرة تنساني / شايفين جمال التوب؟ / لو عاصي شافكو يتوب /دي بفتة وللا قلوب؟ / منقوشة بمعاني ” وتكمل في قصيدة فارقة في الديوان وتصف جمال النسوة المصريات بسمارهن الآخاذ فتخاطب واحدة وتقول لها : ” وشك ملان أفراح…واللهِ ست ملاح / سمرا واسراني / مَلَسِكْ ابو كورنيش / خدني معاه بشويش / لو كنت يوم درويش /كنت انجذبت
معاه /وخدتني أشجاني/ يا خراابي ع الخلخال / تمشي يقوم زلزال / دماااغي شت ياخاال
/ والدنيا لفاني ” .. وتصف الجرار فوق رؤوسهن فتقول ” الزلعة علي راسك / قوليلي فيها ايه؟؟ /مليانة احساسك؟ / والمية طاغية عليه ؟ /ياللا ميلي البلاص / أنا قلبي جف خلاص /اشفي لي أحزاني “
والكلام يطول عن الديوان الجيد لأنه يستحق ولكني هنا في مقام التقديم وليس الدراسة سأكتفي بهذه المقدمة البسيطة عن شاعرة أنحاز لشعرها المدهش من خلال ما وصلني على مواقع التواصل الاجتماعي ، حتى شرفت بكتابة المقدمة لهذا الديوان وأقول : هذه شاعرة تستحق القراءة والاهتمام النقدي .. فتحية لها ولهذا الألق الشعري .
القاهرة
في 17 مارس 2020
التعليقات مغلقة.