قصة جيل
زينب عبد الكريم البيلسان
الخامس والعشرون من اكتوبر , في ساحة تدعى ساعة التحرير . كان يركن هناك شاب يافع في مقتبل العمر يحمل من الوسامة ما يلفت انتباه الكثير. يرتدي بنطالا جينز وقميص ابيض. كان يجلس علي كرسي هريء وامامه عربة كان يتصاعد منها الدخان ورائحة الحمص المطبوخ تتغلغل الى الانف فأذا بي أحس بأن لعابي سيسيل لو لم اتقدم منه وأشتري واحدة .. “مرحبا, من فضلك أريد طاسة من اللبلبي مع قليل من الليمون والفلفل الحار
كلمته وأنا اتطلع الى ذلك الوجه الجميل ذو الابتسامة الرقيقة الذي أيقنت للوهلة الاولى انه يخفي وراءها حزن كبير .
تفضلي سيدتي قالها بهدوء وبنبرة توحي أنه على خلق عالي وأدب مميز ثم استرسل بالكلام : عفوا سيدتي, هل من خطب ما .
اراك تحدقين إلي وكأن شيء ما استثارك
ألم يعجبك الطعم
لا, بل هو لذيذ لايقاوم .
الف هنا وعافية .
شكرا وبينما أكمل جملتي لفت أنتباهي كتاب كنت قد قرأته مرات عديدة للكاتب مكسيم غوركي.
لأم كتاب رائع يجسد دور الأم في تنمية الأفكار الثورية لدى الأبناء هل انت شيوعي سالته بحذر .
رد وبكل حماس بل أنا ثوري سيدتي .
فاجأني رده وهو ذلك الانسان البسيط الذي يقتات على بيع الحمص في الشارع. من اين له ان يرد هكذا ؟
لاتستغربي سيدتي فانا خريج كلية الاداب منذ خمس سنوات. أكملت دراستي
الجامعية بصعوبة حيث انني أبن لرجل كادح قدم روحه قربانا للوطن حتي انهم أسموه شهيد . وللان لااعرف, هل للشهادة ثمن في أوطاننا قد يكون .نعم الجوع والتشرد والألم لعائلته
كان يحكي والم يعتصر قلبه وحزن يخالج نبرته كأنه كان يعاتب الوطن . كأنه كان يريد ان يفجر بركانا من الغضب ثم استرسل قائلا
نحن من نصنع الألهة .
كيف .
بأن نكون عبيدا . نموت ليحيون هم .
من هم ؟
الساسة . من يتبوؤن المناصب من يخونون الوطن من يدوسون علينا ليعلون هم . لكن حتما سيبزغ فجر جديد وسيزهر برعم فوق كل قبر شهيد
شدني حديثه .أخذني الحماس لأن استمع له حتى نسيت الحمص ولذته فلذة الحديث عن الوطن اجمل نكهة. وقبل أن اسأله سؤالا اخر جاء صوت من اخر الطريق
هتافات وبيارق شيب وشباب مابرح حتى امتلأت الساحة بحشود منهم .
مالأمر سألته وكأني لاأعلم وشيء من الشعور الغريب بداخلي . شعور مابين الفرح والحزن بين الخوف والجرأة فرد وهو مسرعا يلملم اغراضه انها ساعة الحزم
وقبل ان يهرول راكضا لينضم لتلك المجاميع الشبابية التقط الكتاب من على المنضدة وقال مبتسما أنه لك
أخذته منه بكل لهفة وأنا ابتسم .
إنتظر .أني اتية معك .لقد كنت انتظرهم هنا .
ها
أنا ابنة الشهيد قاسم.
التعليقات مغلقة.