موسوعه أدبية شاملة

teen spreads her legs for jock.https://fapfapfaphub.com

قصة حياة : المتاهة …تأليف و أداء و إخراج حسين الجندي

159

قصة حياة : المتاهة …تأليف و أداء و إخراج حسين الجندي

نص القصة القصيرة :المتاهة

ركب القطار كعادته كل أسبوع للوصول إلى عمله في القاهرة،
لم يعد يشعر بالضجر من صوت سارينة القطار المزعجة ولا من صوت احتكاك العجلات الحديدية بالقضبان
حيث يدخل الخدر جسده ويستغرق في نوم عميق بمجرد تحرك القطار وهدهدته لخلجات جسمه فيرى نفسه يتمايل يمنة ويسرة وكأنه صوفي في حلقة ذكر أو درويش في حضرة..

وبرغم كراهيته الشديدة للسفر ورغبته العارمة في الاستقرار لكن كرهه للبطالة أشد..

شعر بيد رقيقة تربت على كتفه لم يتعوَّد عليها في سفره، فاستيقظ وعلى وجهه أمارات السعادة،
نظر بعين وعين إلى موقظته و
ثم فتح عينيه لترتويا من عذب هذا الوجه الصبوح..

من أنتِ؟!
لم يحصل على رد،
فرك عينيه وهو يغالب تثاؤبا سيطر عليه..
وقبل أن يغلق فمه ويمسح دمعات عابرات قفزن معلنات عن طرد ما تَبَقَّى من آثار وَسَنِه،
لم يجدها!
لكن أين هي؟!
تلاشت كطيف عابر أو كسحابة صيف..

وقع بصره على ساعته فوجدها تعلن عن الثامنة صباحا ولم يكن يملك رفاهية الوقت ليبحث عن موقظته؛
فقرر التوجُّه إلى مسكنه ليضع حقيبته وينطلق بعدها إلى عمله،

لم يكن سكنه بعيدا عن باب الحديد فبالكاد يعبر شارع رمسيس العريق إلا ويجد قبالته شارع الفجالة العتيق،
حيث تزكم أنفاسه رائحة الورق وأحبار الطباعة،
وهاهو بنسيون السعادة الذي يقطن فيه أمامه..

لم يكن اسما على مسمى على الإطلاق،
أطاح بحقيبته أرضا في حجرته المتواضعة للغاية،
وركض خارجا ليلحق بدفتر الحضور والانصراف قبل أن يغلق أبوابه!

وبرغم معرفته بدرجة السلم المكسورة إلا أنه في كل مرة من فرط عجلته يخطئ التقدير فيختل توازنه ويكاد أن ينبطح على منخاريه،
ولكن الله سلَّم..

التقط أنفاسه نفسا نفسا إلا بعضا منها لم يجده ولعله انزوى منه تحت بعض الكراسي المتهالكة في تلك المصلحة الحكومية المتناهية في القدم..

أخيرا وقَّع في خانة الحضور قبل أن يصيبها القلم الأحمر في مقتل..

وكالدهر يمر يومه بشكل اعتيادي ولا جديد فوق السطح ولا حتى تحته..

عاد أدراجه إلى البنسيون ليقضي فيه بقية يومه البئيس..

لم يكن يكسر روتينه المعهود
سوى الذهاب لمنطقة مصر القديمة..

وجد قدميه وقد ساقتاه إلى محطة الأتوبيس في ذلك الميدان الفسيح ومنها استقل واحدا متوجها إلى السيدة زينب فقضى يومه هناك وعاد مساءً ولكنه هذه المرة ركب ميني باص وقد غيَّر مسار رحلة العودة،
ومن شدة الإرهاق ذهب في سبات عميق،
وسمع من بعيييييد صوت السائق وهو يعلن تعطل السيارة ويطلب من الجميع النزول لركوب سيارة أخرى..
نزل ولم يعقب..
قادته قدماه لمكان مظلم متشابه المساكن في الحجم والارتفاع ورويدا رويدا وجد نفسه أمام بيت منها أو ما ظنه بيتا،فهو لم يكن أمام سوى قبر،
شعر بانقباض يعتري نفسه..

وجد من بعيد أضواء كشافات خافتة
فتلفت يمنة ويسرة فلم يجد أثرا لمخلوق ولا حتى كلب ضال..
مع ظلمة المكان وطبيعته الموحشة لم يجد بدا من التوجه ناحية مصدر الضوء..
مشي ومشي ولم يشعر بقدميه إلا وهي تهرول ثم جري لاهثا..

النور الخافت الذي يراه من بعيد كلما اقترب منه وجده يبعد!
تشابهت لديه الحارات والشوارع داخل المقابر،
حتى أصبح على يقين بأنه في عداد التائهين لا مفر،
كان كمن دخل متاهة ولا يستطع الخروج منها،
وأصبح أمامه إما أن يكمل محاولاته للخروج،
أو يستسلم للأمر الواقع ويقبع في مكان ما انتظارا للصباح فلعله يأتي بجديد، وهو ما اختاره..

أخذ يبحث عن مأوى آمن يَكِنُّ فيه..

وجد حوش مقبرة بابه مفتوح،
فدخله، وهو يتحسس طريقه لمح أريكة متهالكة فاستند عليها وسرعان ما ارتمى بجسده فوقها،عبثا حاول حتى إغماض عينيه؛فقد اكتنفه شعور رهيب بأنه مراقب ومرصود من كافة الاتجاهات!

بدأت فرائصه في الارتعاد،
وكلما وقعا عيناه على باب القبر ازداد رهبة ورعبا..

لم يحتمل الأمر فقرر الخروج ولو كان فيه موته..

سمع صوتا هامسا، له فحيح كفحيح الأفعى،
نعم إنه صوت…..
لا لا لم يكن يتوهم،
أخذ يدور حول نفسه لعله يجد مصدره..
لم يصل إليه، وكأنه قادم من عالم آخر..

وفجأة!
وجد يدا رقيقة تربت على كتفه فتلفت ببطء وترقب، حتى وقعت عيناه على وجه ملائكي لا يوجد مثله على وجه الأرض،
وبرغم أنه لا يوجد لديه أدنى شك في أن صاحبة تلك الوجه ليست بشرا،لكن كانت لديه رغبة ملحة في التعرف عليها،
وقبل أن ينطق بحرف استرعى انتباهه أن وجهها مألوف لديه،
حقا حقا هي..
نعم هي فتاة المحطة،
تلك التي أيقظتني قبل أسبوع..

وسرعان ما أفاق من شروده على وقع أقدامها وهي تغادر،
وكالمسحور جرى وراءها وهو يتمتم بقوله:
-لا لن ترحلي هذه المرة،
فقد افتقدتك في المحطة ولن أدع ذلك يحدث ثانية،
نعم لن يحدث ثانية..

تابع جريه الحثيث وراءها
مهما كلفه ذلك،
حتى ولو خسر حياته..

وصل به التعب مبلغه حتى تدلى لسانه خارج فمه، وأخذ يلهث كالكلب الظمآن..

توقف للحظات ليسترد أنفاسه فوجد يدا تربت على كتفه من الخلف..
ولكنه أمسك بها ولم يفلتها،
كأنها طوق النجاة..
وبتلقائية شديدة استدار ليواجه صاحبها والذي ما أن وقعت عيناه علي منظره حتى خرَّ مغشيا عليه!
فقد كان منظره بشعا..

أفاق من إغماءته ليجد نفسه يفترش أرض المقابر لا يفرق بينه وبين سكانها سوى أنفاس روحه المتقطعة المتهدجة، التي تمنى وقتها وبكل أريحية أن تفارقه!

نظر في ساعة يده فوجدها تعلن الثانية بعد منتصف الليل،
ما العمل إذن؟!
سؤال دائم التردد على ذهنه وأيضا إجابته تائهة مثله تماما..

نهض وحاول على ضي النجوم الخفيت نفض الأتربة عن ثوبه الذي صار رثَّا مهلهلا،
ثم واصل المحاولات للخروج من تلك المتاهة الرعيبة،
لكنه كلما وصل لنقطة وجدها هي نفسها نقطة الانطلاق،
فجلس القرفصاء ودفن رأسه بين رجليه..

لحظات وسمع صوتا يجلجل في أرجاء القبور،
صوتا لو سمعه خارجها لأصابه بالانقباض والوحشة ولكن يا للعجب كان لهذا الصوت جرس موسيقي عذب على أذنيه،
فالصوت أو بالأحرى الصويت والعويل الصادر من أفواه النساء الندَّابات يعني وبقوة أن هناك ثَمَّت بشر يوارون ميتا إلى مثواه الأخير..

يعني أن هناك أُنْسَا ببني جلدته من الأحياء على مقربة منه..

أيقن أن هذه فرصته الأخيرة للخروج من تلك المتاهة،
متاهة الشيطان..

تتبع مسار الصويت اللذيذ حتى قرب منه وهاهو يقف أمام المشيعين ويندس وسطهم وكأنه واحد منهم حتى إذا انتهوا خرج معهم،
وبالفعل شرعوا في الانصراف وشرع هو معهم..
ولكن ما هذا؟!
يا إلهي!!!
لقد ذهب كل منهم إلى ناحية مختلفة،
فقرر أن يسير وراء أحدهم ولو أوصله إلى الجحيم،
وهل هناك جحيم أكثر مما هو فيه؟!
مشى ومشى والشخص الذي أمامه لا يشعر به،
أو هكذا ظن..
وفجأة..
توقف ونظر إليه بنظرات ينبعث منها لهيب الجحيم وبتعبيرات وجه وكأنه قادم توا من قعر سقر،
مد إليه يده وكأنها لسان ثعبان مشقوق فأحاطت برقبته وسحبته إليه سحبا،
فصاح صيحة لم تتوقف إلا عندما ارتخت أحباله الصوتية ولم تعد قادرة على الرنين،
ثم ارتمى على الأرض بلا حول ولا قوة فتمدد على بطنه رافعا يديه إلى السماء ضارعا..

أفاق هذه المرة ولم يدر كم مضى من الوقت ولكنه كان على يقين بأن خروجه أضحى مُحالا..

مع نهايات الليل وجد رجلا يقف عند رأسه ويحملق في وجهه فاسترجع شريط الذكريات حتى توقف عند نقطة معينة،
نقطة تمثل مشهدا رآه وكأنه يحاكي واقعا ملموسا..
وقبل أن ينطق بكلمة وجد الرجل يقول له ساخرا:
أعتقد أنني كسبت الرهان هذه المرة؟!
لقد جعلت منك أضحوكة..
اعترف وسأخرجك فورا من تلك المقابر إلى الحياة الرحبة المزدحمة بالناس..

استعاذ بالله من الشيطان الرجيم وقرأ الآيات المنجيات وماهي إلا لحظات ووجد نفسه داخل (الميني باص) وقد أعلن السائق أنه قد قام بإصلاح العطل وسينطلق بهم على الفور..

دقائق معدودات ووصلت السيارة إلى الطريق العام وهو معها يحمد الله على سلامة الوصول وتسجيله الخروج من مقابر الأموات،ليسجل الدخول مرة أخرى لمقابر الأحياء.

*هذه القصة من مجموعتي القصصية
( نعش وشيطان).


استمع للقصة الآن

التعليقات مغلقة.