قصة حياة : سرحان ” الجزء الثاني ” … أ .حسين الجندي
نص الجزء الثاني من قصة سرحان :
قرر الذهاب إلى طبيب نفسي..
وبعد عدة جلسات توصل الطبيب إلى خطة ذكية لعلاجه..
طلب من أخيه عارف مساعدته في تنفيذها،فبعد البحث والتحري وجد الطبيب أن زوجة سرحان هي أحب الناس إلى قلبه؛فهي الوحيدة التي قد يضحي بعمره من أجلها..
وبدأت الخطة:
طلب عارف من زوجة سرحان أن تذهب للإقامة عند صديقتها الأرمل التي تعيش بمفردها لعدة أيام بعد أن أخبرها بخطة العلاج، في البداية اعترضت وتوجست خيفة ولكنها وافقت على مضض في الأخير..
مر اليوم الأول على الاختفاء وسرحان يتقطع هما وغما على زوجته، وعقله يكاد يذهب؛ فهي منذ عشر سنوات لم تتغيب يوما واحدا عن عينيه، سأل عنها القريب والبعيد ولم يجد ما يشفي غليله،مر اليوم الثاني ولاجديد، لم يجد بدا في اليوم الثالث أن يبلغ الشرطة ويبحث في المستشفيات، ولكن دون جدوى..
بعد مرور أسبوع، حط به التعب، وأنهكه الحزن وأحاله إلى شبه هيكل عظمي، فحياته اقتصرت على شربة ماء وكسرات خبز تشرخ بلعومه، وتنزل إلى بطنه لتجد خواءً وهواءً..
زهد الدنيا وما فيها لم تتوقف دموعه لحظة، فقد الإحساس بالمكان والزمان، لم يعد لدنياه معنى، ولا لشيء قيمة، لقد كان على استعداد لتطليق الدنيا بالثلاثة طلاقا بائنا بلا رجعة، ولولا مخزون الإيمان لديه لقتل نفسه..
أقسم إن عادت إليه أن يكتفي بها عن العالم،فهي عالمه الحقيقي وما دونها وهم وسراب..
في بداية الأسبوع الثاني جلس عارف مع أخيه سرحان وربت على كتفيه قائلا:
ألا تلاحظ شيئا يا أخي؟
نظر إليه سرحان بعيون زائغة ولم يرد، فأردف عارف:
لقد لاحظت أنك لم تعد تعيد الشيء مرات ومرات، لم تعد تهتم بكل غال ونفيس،لقد عشت حياتك ببساطة وسهولة، لقد تخلصت من وساوسك، ووووو….
قاطعه سرحان:
لا شيء بعدها يستحق، لقد أدركت أنها بكل ما أملك، لا حياة لي بدونها، فالكل أمامي سراب..
ابتسم عارف في وجهه قائلا:
عندي لك مفاجأة ستعيدك للحياة، ولم ينتظر، دخلت زوجة سرحان عليهما..
نظر إليها سرحان وهو لا يصدق عينيه،كاد قلبه ينخلع من مكمنه طربا، انعقد لسانه من شدة الفرح، وقف بسرعة ورشاقة واحتضنها وهو ينفجر من البكاء، أخذ يتشممها، وهو لا يصدق نفسه، أحاط خديها بكفيه، ثم دفن رأسها في حضنه..
دقائق مرت، هدأت عاطفته، بدأ عقله يعمل، سألها عن سر اختفائها، تلجلج لسانها، نهضها عارف بقوله :
أريدك على انفراد في أمر هام..
أخبره بما خططوا له لعلاجه، ثار وهاج وماج، وأخذ يهذي بكلمات ويتوعدهم جميعا، تركه عارف يخرج ما بداخله من كبت وشحن نفسي حتى وجده يجثو على ركبتيه خائرا،حمله ووضعه على سريره وتركه ينام..
بعد ساعات استيقظ سرحان فوجد زوجته نائمة على كرسي بجوار السرير ودموعها الجافة ترسم خطا أبيض على وجنتيها، تأمل وجهها، سامحها لطيب نيتها،أيقظها برفق، أفاقت وهي تريد أن تشرح له قصدها، وضع يده بحنان على فمها وأحاط خصرها بيديه وضمها إليه، ووضع أذنها على قلبه قائلا:
أتسمعين نبض قلبي أليس كذلك؟!
أتعرفين؟ إنه من ساعات لم يكن ينبض؛ أنت نبض قلبي وسبب وجودي..
مرت أيام وأسابيع ولم يعد سرحان ذلك الشخص المريض بالوسواس القهري، لقد أدرك حجم كل شيء الحقيقي فأعطاه له بلا زيادة ولا نقصان..
بعد مرور ثلاثة أشهر ذهبوا جميعا لقضاء إجازة في أحد السواحل، احتاج سرحان لبعض الأموال فأدخل بطاقته في ماكينة الصراف الآلي وسحب بعض الأموال، انتظره الجميع، لكنه تأخر عنهم كثيرا، ذهب عارف ليستعجله، وجده مهموما، لقد كان ينتظر خروج بطاقته من الماكينة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات مغلقة.