قصة حياة : سعاد أسعد – تأليف و أداء و إخراج حسين الجندي ( الجزء الأول )
الجزء الأول من القصة القصيرة :،سعاد أسعد
خرجت سعاد من العمل وهي منهكة يتصبب العرق منها،
ركبت الحافلة وهي تجر رجليها وارتمت على الكرسي وأغمضت عينيها وتمنت وقتها ألا تصحو مرة أخرى!!!
فاليوم فرح صغرى أخواتها..
كانت ليلة صاخبة..
القاعة ممتلئة عن آخرها بالمدعوين ما بين آكل وشارب وضاحك..
الكل تغمره الفرحة،
الحاج أسعد يتنقل بينهم كالنحلة برغم كبر سنه..
في زاوية بعيدة وقفت سعاد تنظر بحسرة إلى حالها..
فهاهي آخر أخت لها قد تزوجت وما زالت عنساء
رغم أنها البكريَّة!
تظاهرت بالسعادة أمام الحضور وقلبها يتقطع قهرا..
حتى كلمات العزاء والسلوان والتي تُقال في مثل هذه المناسبات ک:
( عقبال ما نفرح بيكي يا حبيبتي )
لم يجرؤ أحد على النطق بها أمامها ولو من باب المجاملة..
انقضى الفرح وانفضَّ السامر..
دخلت سعاد إلى غرفتها ووقفت أمام المرآة وكأنها ترى نفسها لأول مرة..
وفجأة
انتابتها حالة من الهِياج الشديد
فأمسكت بزجاجة العطر وقذفتها بكل قوتها في المرآة وتحديدا
ناحية وجهها المنعكس عليها..
فتهشم زجاجها تماما
وتساقط قطعة وراء الأخرى ومع كل قطعةٍ تتهاوى
تتهاوى معها قطعةٌ من بقايا روحها!
لم تكن سعاد
تريد أن تنظر إلى وجهها أو جسمها؛فقد كانت ترى نفسها قبيحة وستظل عانسا طيلة حياتها!!!
سعاد فتاة لم تنل نصيبا ظاهريا من الجمال؛فوجهها تخلو ملامحه من علامات الجمال المعروفة وجسمها هزيل بلا تضاريس أنثوية تُذْكَر..
على عكس أخواتها الأخريات فقد كنَّ آياتٍ في الجمال!!!
سبحان الله!
وكأنهن من بطن أخرى أو
من ماء آخر..
دخل الحاج أسعد عليها ملتاعا وقد هاله ما رأى!
نعم لقد تعوَّد على مثل تلك الأمور منها ولكن الأمر هذه المرة
جَدٌّ مقلق!
أخذها في حِضنه وبدورها دخلت في نوبة بكاء هيستيرية
،مسح دموعها بأطراف أصابعه؛لقد ذبحه بكاؤها..
فجأة!
ضاقت حدقتاه ثم برقت عيناه ببريق غيرِ معتاد
ثم رَبَّتَ على كتفيها
ولم يتركها إلا بعد أن اطمأن على حالتها..
الحاج أسعد يحب ابنته سعاد حبا جمَّا فهي البكرية وأُُولَى من رأت عيناه..
وبعد مرور أسبوع..
دق جرس الباب،فتحت سعاد وكانت المفاجأة!
عُمَر شاب وسيم للغاية ومعه والدته..
لقد أثار الأمر تساؤلات عدة في نفوس جميع أهل البيت خاصة سعاد..
ولكن سرعان ما انقشعت سحابة التساؤلات بتفجير قنبلة في وجوه الجميع!
عبارة كان وقعها أشد طربا من مقطوعات عمر خيرت :
(أتشرف بطلب يد بنت حضرتك يا عمي، الآنسة المصونة والجوهرة المكنونة الآنسة/ سعاد.. )
آخر شيء كان على خط التوقعات..
وافق الأب بدون تفكير فقد كان جل اهتمامه هو أن يفرح بسعاد..
ولكن!
كيف ذلك؟!
أهو محض النصيب؟!
مرت الأيام وسعاد هنية وفي قمة نشوتها..
لم تفكر بل عاشت اللحظة..
خروجات وتنزهات وهدايا وكلمات حالمة طالما فركت أذنيها بسبابتيها حتى تتأكد أن تلك الكلمات لها لا لغيرها!
وكثرما تلفتت يَمْنَة ويَسْرَة وخلفا حتى تقنع نفسها أنها المقصودة بتلك المعزوفات!
ظل الريب يخالطها،تنتظر بين لحظة وأخرى أن تسمع عبارة:
(معلهش كل شيء قسمة ونصيب)
عبارة تراها منطقية للغاية!
بعد مرور شهرين من الخطبة..
رن جرس الباب في وقت متأخر من الليل…
أمسكت سعاد مقبض الباب بيد مرتعشة وعبارة عاجل تمشي على شريط ذهنها :
(آسف يا عمي كل شيء قسمة ونصيب)
كان الطارق هو عمر!
تعلقت عيناها بشفتيه ترجوهما ألا ينطقا بما تتوقع..
دخل عمر،سلم على أبيها في اعتداد،جلس وتنهد ثم نطق بحماس شديد :
عمي الحقيقة أنا عاوز أطلب حاجة بس يا ريت تفهمني صح..
كانت سعاد تسترق السمع من وراء باب غرفتها..
وبمجرد سماعها الجملة الأخيرة ظل عقلها يرددها:
(عمي الحقيقة أنا عاوز أطلب حاجة بس يا ريت تفهمني صح)
لم يحتمل قلبها الموقف ولم تنتظر نهايته؛ فسقطت
فاقدة الوعي!
أفاقت بعد أن تسلل إلى مسامعها صوت عالٍ منبعث من بين شفتي أمها،قامت ببطء شديد،فركت أذنيها بحركة دائرية سريعة التردد..
ظنت من الوهلة الأولى أن ما تسمعه عويلا..
فتحت عينيها ببطء وترقب وعقلها يأبى الانتباهَ الكامل..
لكن سرعان ما انشرح صدرها حتى كاد يتسع للدنيا بأسرها..
نعم هي زغرودة حلوة من أحلى أم..
لقد أتى عمر يجذبه الشوق،
لم ينتظر الصباح!
جاء وكله أمل أن يوافق والد سعاد على عقد قرانهما الأسبوع القادم على أن يكون الزفاف خلال شهرين!
مرت الأيام سريعة وجاء موعد الزفاف..
تحضرت العروس،لم تبخل بشيءٍ على نفسها؛فهذه هي اللحظة التي طالما انتظرتها..
أمسك عمر بيدها بحنان ودخلا سويا قاعة الاحتفال،بدأت فقرات الحفل المعتادة،لم يعكر شيءٌ صَفْوَ الفرح،كل الأمور تسير طبيعية للغاية..
من بعيد وقف والد سعاد قلقا وعينه لا تفارق ساعته،إلا للنظر ناحية مدخل القاعة وكأنه يخشى من حضور أحد ما!
انقضى الفرح وبدأت مراسم الزفاف المعتادة ووصل العروسان إلى بيت الزوجية..
بدا عمر قلقا للغاية وظهرت على قسمات وجهه
علامات التوتر الشديد!
نعم هذه ليلة العمر والتوتر فيها طبيعي،لكن ليس بهذا الشكل المفرط..
حتى سعاد برغم سعادتها التي لا توصف إلا أنها أيضا كانت متوترة!
حاولت أن تخفف عنه وتزيل قلقه فجلست بجواره ولمست يديه فوجدتهما باردتين برود الثلج!
نظرت مباشرة إلى عينيه فشعرت بأنهما ينظران إلى شيءٍ ما لا وجود له داخل الغرفة!
ساد الصمت ولم يكد يُسْمَع سوى صوت أنفاسِهما..
طال وقت الانتظار..
فجأة!!!
قطع عمر الصمت بجملة
كان وقعها ثقيلا على نَفْس سعاد وظلت كلماتها القليلات تتردد في أذنها:
(أنا لن أستطيع أن أعطيك حقك كامرأة!)
وقبل أن تنطق سعاد ببنت شفة،وضع عمر يده على فمها برقة ولسان حاله يرجوها ألا تتكلم وأردف قائلا :
والدك يعرف الأمر قبل أن أطلبك منه ووافق!
أنا أعرف أنني خدعتك وأنه لا ذنب لك في الأمر،ولقد حاولت بقدر استطاعتي أن أخبرك ولكني عجزت،لا أخفيك سرا
لقد كنت أبوح بسري هذا لكل فتاة أردت خطبتها وكانت النتيجة واحدة صادمة :
(آسف لا أستطيع الارتباط بك؛
فأنا بشر ولي احتياجاتي…)
حتى قابلت والدك أو لعله كان يبحث عني!
لا أدري!
ولكن القدر ألقانا في نفس الطريق..
هو صديق لوالدي منذ زمن بعيد وقد سمع منه عن مأساتي،
نعم مأساتي!!!
فقد تعرضت لحادث سير خرجت منه سليم الجسم مكسور الرجولة!
فألمح لي والدك بخطبتك برغم علمه بحالتي..
لقد كان لقب مطلقة عنده في أسوأ الظروف أفضل ألف مرة من لقب عانس!
شخص واحد كان يرفض هذا الارتباط وبشدة،هو والدي؛
فقد كان يعتبرك مثل ابنته،
وقد هدد والدك أكثر من مرة بفضح الأمر..
ألا تلاحظين أنه لم يحضر أيًّا من مراسم الزواج ؟!
لقد تعللنا بمرضه ونحن نعرف أننا جميعا كاذبون!
قال عمر جملته الأخيرة ونظر بحنان مصحوب بوَهَنٍ شديدٍ إلى سعاد فوجد عينيها تدمعان..
بذكائه،أدرك أنها ليست دموع الألم لحاله بل هي دموع الحزن والقهر والإحباط..
دموع من تبكي لا لمُصابه بل ندبا لحالها ورثاءً لحياتها الزوجية التي لم تبدأ بعد،
ومن المؤكد،أنها لن تبدأ على الإطلاق!
مسحت سعاد دموعها ونظرت إلى عمر وبكل خيبة أمل مصحوبة ببرود قالت:
ومتى سأحصل على لقب مطلقة؟!
تركها عمر وخرج مسرعا بعد أن وعدها أن يحقق طلبها..
أما هي فقد دخلت في نوبة بكاء حادة..
لكنها هذه المرة لم تفقد الوعي بل
فقدت…….
نهاية الجزء الأول
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعليقات مغلقة.