قصة قصيرة …اوه عذرا كورونا بقلم عبد الصاحب إبراهيم أميري
حفر الكورونا إسمه بوضوح و إجلال على أغلب الأبراج الشاهقة في عواصم العالم، دلالة على حضوره الرهيب والمرعب
زرع القادم الصمت ، غلق الأسواق، هشم الأبواب والشبابيك، وقطع الجسور، عمر المقابر، حتى بات اسمه،
الاسم الغالب على السن البشرية عام 2020 وسجل العام باسمه،
إن اثار اقدام الكورونا، بقت حية طرية، وستبقى للأجيال القادمة تاريخا، تدرس في المدارس والجامعات،
، و أصبحت مادة خصبة للكتاب، والشعراء والمخرجين
حزم صالح الكاتب الخمسيني الطموح حقيبة عمله متجها إلى داره الريفي القريب من ألمدينة، بعد صراع مع زوجته في الذهاب وتاليف سيناريو
، ان احلام صالح وإصراره للذهاب لتحقيق أحلامه جعلته مصرا على رأيه، أنتهزت الزوجة ذلك، وضعت له شروطا تكاد ان تكون تعجيزية،
إن لا يتحدث مع احد، ولا يتناول الطعام خارج المنزل
ذهب صالح لينجز سيناريو يستعرض فيه القادم( كورونا)، ويحقق بالتالي نجاحا يضاف إلى نجاحاته و رقما قياسيا في المبيعات،
ما أن وضع صالح اقدامه في مدينته الصغيره مجهزا بالكمادات والقفازات، وعيونات سوداء
، كان صالح موضع حيرة الاهالي بالوهلة الأولى حتى اجبروه بخلع النظارات والتعرف عليه، استقبل اهالي القرية، (قرية اباءه واجداده) المشتاقين إلى ضمه إلى صدورهم، فهو لم يزورها منذ سنتين، كلما كانوا يقتربون نحوه، يرجع خطوات للخلف ممتنعا من المصافحة والتقبيل
-اوه، عذرا، كورونا
غلق باب منزله الريفي، بعد أن نصب على بابها لوحة،
عذرا،. لا استقبل أحد. كورونا
وتنفس بعمق، كأنه نجا من إمتحان صعب
-رأيت
هرع إلى حقيبته،وضعها على مكتبه الصغير، فتحها بعناية فائقة، حوت الحقيبة كل ما يحتاجه المسافر خلال أسبوع، من ملابس واطعمة، أغلبها علب معلبة ، وقليل من الخبز اليابس، وقناني العصير
ووزع ما فيها على المكتب، بعد أن قام بتعقيمها بالمعقمات
جلس على كرسيه المتحرك، والة الطابعة تهمس باذنه
-الوقت ضيق، كورونا،
استأذن الة الكاتبة
-لحظة من فضلك، أبلغ زوجتي عن وصولي،
اتصاله دام اقل من دقيقة،
-انا صالح وصلت بامان وبدات عملي كورونا
فتلك الكلمات القصار التي همست بها الة الكاتبة، كانت أشبه بجرس إنذار لصالح ، رفع كمى ثيابه، وكتب على الة الكاتبة اول كلمات السيناريو
-اوه. عذرا كورونا
بدأ يضحك دون هواده، وهو يردد
اوه عذرا كورونا
اتصل مسرعا هاتفيا بزوجته وهو يضحك، انتخبت عنوانا لفلمي، غريب وبسيط
اوه عذرا كروننا
ما رايك في العنوان
-عرفتك مبدعا زوجي العزيز،
وضع الهاتف جانبا وبدأ يطبع على الالة ويردد
المشهد الاول
صباحي، خارجي
لقطة فضائية من الأعلى، لمدينة حضارية كبيرة، أنيقة وجميلة، اشبه بالمهجورة، لا أحد فيها، عدد من سيارات الإسعاف ، تخترق شوارع المدينة، بسرعة قصوى
،
المشهد الثاني
منزل، صالة المنزل، صباحي، داخلي
أعضاء أسرة مجتمعون في الصالة، الأب رجل ستيني، يدخن باستمرار، يبدو القلق على محياه
الأب،- انا لا احب هذا النوع من الموت، كما لا احب ان يقع لكم حادث، يؤدي إلى موتكم
خروجكم للشارع، قد يؤدي إلى إصابتكم بالكرونا والموت بالنهاية ، فهي سريعة الانتقال
البيت هو المكان الوحيد الذي يحميكم من الإصابة
صوت بكاء وعويل يرتفع من المنزل المجاور، يصفر وجه الرجل، ويفقد السيطرة على نفسه،
-اخيرا مات المسكين
تتجه الانظار إلى البيت المجاور
الأم – ابنهم الكبير كان مصابا بالكرونا،
لابد انه مات
تقوم الأم من مكانها متجهة صوب الباب، أنظار الأسرة تلاحقها، تنظر، من خلال العين السحرية للباب للخارج ،،
تلحظ رجال الإسعاف وهم ينقلون مصابا، تصرخ دون وعي وتسقط على الأرض، تلتف الأسرة حولها قلقين
يضع صالح يدية خلف راسه، غارقا بالتفكير، انه مشهد درامي يشد المشاهد من اللحظات الأولى،
يسحب صالح الورقة التي قام بكتابتها، من الة الطابعة، يترك كرسيه يخطو خطوات قصيرة وهو يقرا كلمات. النص المطبوع ،بدقة متناهية، يعود، إلى المكتب، يتناول عصيرا من الذي أتى به، يأخذ جرعة،
طرق على باب المنزل، يجمد صالح في مكانه لا يرد على الطارق، لعله يذهب، سكوت غريب
يعاود الطرق على الباب ثانية، يتقدم باقدام هادئة صوب الباب كي لا يحدث صوتا، الباب يطرق للمرة الثالثة،،
النقال يرن،
يظل في حيرة من أمره، يتجه للباب ام للنقال يختار الأقرب ، يلقي من العين السحرية للباب نظرة للخارج
يلحظ صبيا صغيرا في الثانية عشر من عمره، لا يضع على وجهه الكمادة، ويديه عاريتين من القفازات
يحمل طبقا من الطعام، لوجبة كاملة،متنوعه ،
النقال لازال يرن
ينظر للنقال بحيرة
-الطعام
يحاول صالح معرفة الصبي لكن دون جدوى
يحدثه من خلف الباب،
-نعم
-ارسلتني امي لكم بالطعام
-بالطعام
تخصك بالسلام، تعتذر وتطلب منك القبول
-تحياتي الوالده، أخبرها
بانني مشغول، تكفيني المعلبات التي حملتني اياها زوجتي
-والطعام
-اوه عذرا. الكورونا ،
زوجتي ارصتني أن لا ا تناول اي شيء
مع السلامه
يودع الصبي خائبا و
يلجأ صالح
للهاتف.صوت زوجته يسمع بوضوح
الهاتف-“اقلقتني يا صالح،
لم لم تجب على الهاتف
-هناك من أتى لي بالطعام
-من
-صبي صغير
-من
-صبي صغير من أبناء القرية
-ادخلته المنزل
-كيف ادخله وانا لا أعرفه معرفة دقيقة
، كنت أحدثه من خلف الباب، من خلف الباب
لطمت الزوجة خديها وصرخت و امرته ان لا يفتح الباب حتى لأبيه المرحوم، واوصته بالحذر وان يحترس حتى من ظله، فالكرونا لا تلهو مع احد،
او يعود حالا وينسى الأحلام والطموح،
واستمرت بالكلام والمسكين صالح، ينصت ويمسح بيده الأخرى العرق من جبينه، وتقول له بين لحظة واخرى
-تسمع
كي يختم الكلام لا يضيف للجواب كلمة ويقول
-سامع
انهكه الكلام، وزرعت الخوف في جسده النحيف زرعا مميتا، بدأت عينيه تلف وتدورفي المنزل يرى الأشياء بصور غريبة، يصرخ احيانا ويغطي وجهه احيانا أخرى ، تفحص الشبابيك وتأكد من سلامة اقفالها، خفظ إنارة المكان، جلس على كرسيه الهزاز، يسمح العرق الذي غطى ثيابه،
غفى من شدة التعب، وعلا شخيره
وقفت زوجته أمامه سدا مانعا، وقد اصفر لون وجهها
-اسمع يا صالح لا أهل لي ولا اخوة
انت تريد تركنا في هذه الفترة الحرجه، انسى السيناريو، فأنا اشم منه رائحة الموت ولا تترك بيتك، قطاع الطرق كثر، والطريق ليس أمنا، والاطعمة ملوثه، والكروننا معشعش في كل مكان، تنتظر اللحظة المناسبة، لتنتقل بجسدك، اخاف عليك يا صالح
نسيت انت زوجي ومناي
جرس النقال يعلو عاليا. اختلط الأمر على صالح
دعيني أرى من المتصل
رنين الهاتف لا ينقطع
استيقظ صالح منهوك القوى كمن يبحث عن زوجته،
صراخ الزوجة يعلو عاليا من النقال
-إين كنت يارجل
-كنت معك
معي جن جنونك
تحتد الزوجة وصالح استسلم لكلامها، الزوجة تنتقل من التهديد للنصائح، وصالح استسلم لها حرفيا
وانتهى الامر بنوم صالح على أن يستيقظ صباحا وينهي عمله ويعود لها، فالمدينة محاصرة، لا يسمحون للاهالي بالدخول والخروج
رمي جسده المتعب على السرير وغفى وشخيره لا ينقطع،،
رفع اذان الفجر وشخير صالح لا زال عاليا، رن النقال، استيقظ صالح والنوم لا زال يحتظنه، يسرع على اطرافه الأربعة تجاه ا النقال،
- الا تسمع اذان الفجر
انه صوت زوجته ، يحاول الوقوف على قدميه الا ان قدميه لا تطيعه ، يقع من شدة القلق الخوف، ويخلق صوتا رهيبا يلجأ للكرسي الهزاز، يتطاير الكرسي في الهواء
والزوجة تصرخ
–ماذا حدث - وقعت
-لا تتكاسل. انهض، انت سالم
-اسرع
ارتاح قليلا
يضع صالح راسه، قرب الالة الكاتبة ويكتب شيئا ويغفو من جديد
سيارات إسعاف تجتاز القرية، وموتى في انحاء القرية،
يقع الصبي الصغير ذو الثانية عشر سريعا، مقابل منزل صالح، تجتمع النسوة، يصرخن ويضربون على الخدود والصور ومن بينهن أم الصبي، تسرع لمنزل صالح تطرق الباب بشدة
-يابن العم.، النجدة
يستيقظ صالح خائفا،. يفتح الباب دون وعي،. تسحبه ام الصبي قرب ولدها
-افعل من أجلي شيئا،
يتفحص الصبي، قلبه لا زال ينبض، الإ انه يتنفس بصعوبة
يحمل الصبي وياتي به للداخل، يضعه على سريره ويحاول افاقته، دون جدوى،
سيارة إسعاف تجتاز القرية ام الصبي تضرب على صدرها وتركض دون وعي،
تتبعها سيارة إسعاف أخرى، نرى داخل السيارة، صالح يرقد داخل سيارة الإسعاف وبيديه المصل ، يتنفس بصعوبة، يرفع راسه الي الأعلى، المشهد الاخير أنجز بهذه الصورة، المشاهد الأخرى، اكتبها بعد الشفاء
النهاية
آذار. 2020.
التعليقات مغلقة.