قصة قصيرة “غيـــــــاب قسري ” بقلم حاتم السيد مصيلحي
لم يرها شهورا عديدة، ظل يبحث عنها في الوجوه من حوله، تصورها طيفا يطوف به، ألبسه صورا عالقة بذهنه، ومشاهد طافت بخاطره، تطل بوجهها الصبوح الباش، فيهش له ويبش، ثم سرعان مايصيبه الغم، ويركبه الهم حين يتذكر تجاهلها له، وانصرافها عنه، حين نأت بقلبها، وهامت بروحها بعيدا مولية وجهها شطر مايشغلها عامدة متعمدة.
لم يكن التجاهل محض شك، ولا مجرد وهم بل كانت تؤكده وتبرهن عليه بإلغاء دوره، وانتهاك حقه، مستغلة صبره وقوة احتماله، والتماس الأعذار غير المبررة، مشفعا فيها نفسه التي بين جنبيه، فتشفع لها ابتسامة، أو التفاتة، أو إحساس متوهم يسكن به آلامه، ويضمد به جراح كرامته المهدرة.. فينتهز الفرصة ليحدثها عن ذكرى مشتركة بينهما، لعلها تؤجج الشعور، وتجلي الصدور، لكنها سرعان ما يصرفها عنه رفيق كفها بتقليب فيه، أو يصدر عنه رنين، فتلتمس سماعة الأذن تجوب به أرجاء البيت حتى تبلغ مأمنها، مسترسلة في حديث طال أو قصر.
لا يشغلها وجوده، فأمرها من رأسها، ولأوامره وآرائه رافضة مستنكرة، وللهوى تابعة، ولمنطقها قانعة.. تنقض غزلها بعد قوة أنكاثا.
فرحل أسفا، وما أسفت.. ولازال طائفها يطوف به، نفسه المتألمة تهفو إليها، منكرا عليها شيطانها الذي باعد بينه وبينها.
التعليقات مغلقة.