قصة قصيرة :في الطريق إلى مدينتنا) بقلم عاشور زكي وهبة
أنوار شتى تتسابق من مدينتنا الساحلية النائية على صفحة الأمواج الهادئة، تخترق أشعتها أعيننا دفعة واحدة، ونحن على ظهر سفيننا، فلا نعلم لأيها يكون السبق، وكأنها ترحب بقدومنا الميمون.
يعبث النسيم بالماء فتقدم الأشعة نحونا كأنها حيات متزاحمة يعتلي بعضها بعضا، فيضطرب السباق، ويموج بداخلي توق لمحاصرة هذا النسيم الذي يعوق السباق.
يقرأ النسيم علامات كدري على خطوط جبهتي المتعرجة، فيتبسم ضاحكا معتليا موجة عليلة، ثم يتوجه إلى مخاطبا:
_ رويدا عزيزي، أنا غرة الغيث!
وما أن ينتهي من قوله حتى يعلو الموج ويتلاطم، فتذوب الأشعة محدثة هالة من الضوء، ويضطرب سفيننا من أثر الريح الغضبى.
يهدر رفاقي في السفينة، ثم ينهمر الدمع من مقلهم الثكلى خشية أن يبتلع اليم سفينتنا قبل أن ندرك المدينة.
تتبدل صفحة السماء معلنة عن غضبها وصخبها بهطول الأمطار الغزيرة، وارتفاع الأمواج المتلاطمة كالطود العظيم، ملتقية ببلورات المطر.
تتطاير أشعة أضواء مدينتنا ملتقية ببلورات الماء المنهمر. يدوي الرعد ويعربد، ويكتسح البرق الأفق، تتراجع بلورات المطر، وتتقهقر أنوار الأشعة، وينكمش رفاقي في الجنبات.
أهديء من روعهم، وبي بقية من صمود قائلا:
_ ها قد اقتربنا من مدينتنا!
يشق البرق السماء، يزداد توهج القمر، وتغور أضواء المدينة في الأعماق جبنا كالأسماك المذعورة، ورفاقي يذوبون رعبا كللجرذان المقهورة فتغشاهم صاعقة من فرط الوجل.
هلكت الأضواء، ولم يبق إلا البرق يكاد يخطف البصر. وكان على أن أقود السفينة لأضيء مدينتنا النائية قبل أن يجتاحها البوم والخفافيش.
بذلت جهدا عظيما في إفاقة رفاقي المصعوقين، وقد ذبل نور وجوههم بعد أن كان يبهر الناظرين. طفقت أقذف على وجوههم ماء الحياة حتى انتفضوا فاتحين أعينهم كمن بهم جنة، وقال لي أحدهم مشدوها كمن رآى الجنة:
_ لقد رأيت كأن أشعة مدينتنا قد تحولت حبالا وسلاسل منيرة تشد السفينة نحو المدينة حتى أدركناها فجرا. والريح والبرق والرعد يجرون جحافلهم من البلورات المتقدة، وثمة حيتان وقروش أسفل السفينة تتقدمهم نجمة سداسية بعيون حمراء وأنف معقوف يودون تفجير السفينة، لكنها سرعان ما اندحرت مقهورة مع بزوغ الفجر.
خاطبته ناظرا إلى الرفاق بعد أن ذهب عنهم الروع:
_صدقت رؤياك يا أخي، فهيا أجمعوا قواكم حتى ندرك مدينتنا الفاضلة قبل أن يدهمها السيل، ويتركها حطاما. في ضياعها هلاكنا، وفي نجاتنا سلامتها وقيامها.
•••••••••••••••••••••••••••••••••••••
تاريخ كتابة القصة 23/1/1998
التعليقات مغلقة.