قصة للنقد: بحث جار … هويتي الضاد
قصة للنقد: بحث جار … هويتي الضاد
تشبه الأقلام الأدبية أصحابها، وتحمل خصالهم، حتى وإن كانت الحكاية ليست حكايتهم، أو تخصهم.
نص جديد/
بحث جار
جانب الأكياس السوداء التي تفوح بروائح شتى .. كنت أخمن أي طعام سيسد رمقي الليلة؟!
آه.. إنها رائحة لحم.. فتحته بسرعة لألتهمه .. كنت أقرب عيني أكثر ولكن لم يكن سوى عظام وبعض الأرز البارد.. التهمتها بسرعة البرق.. واتكأت على الحاوية.. وغفوت .. لأجد نفسي في مسرح هائل .. أضواء وسيارات ورجال..
كم كنت مشتاقا لأرى الناس حولي.. لترى مسكني..
أتراهم مبعوثون من جمعية حقوق الإنسان.. اقترب مني أحدهم وقال: لم تعبث بالقمامة؟ ألا تعرف أنك ارتكبت جرما؟
خرس لساني .. أجائع مثلي مجرم!ط؟!
جرني إلى السيارة بعدما كبلني زميله.. لأجد نفسي في غرفة مظلمة.. حتى نور القمر لا يدخلها.. لكنها تقيني من البرد.. إنه سرير حديدي وعليه كومة قش.. لقد كدت أن أصاب بتشنج حينما استلقيت عليه.. لقد اشتقت للرصيف.. كم هو حافل.. سيارات تمر وأناس تعبر .. فجأة قطع علي سلسلة أفكاري .. سمعت الباب يفتح..
هيا معي .. كنت سأطلب منه أن يتركني .. لكنه جذبني ..
هيا للأمام .. لست هنا كما يحلو لك
وصلت لأحد المكاتب الذي كان به أحد المتخاصمين..
بعدما خرجوا .. أدخلني الحارس..
كان المكتب أنيقا.. وصاحبه يحمل قطاره البخاري.. شكلت سحابا كاد أن يخنق أنفاسي.. وبيده عصا.. تذكرت حينها معلمي الذي كان يعاقبني كلما أخطأت في حل مسألة.. ولم أتذكره الآن.. ألست غبيا .. وبينما أفكر بمدرسي.. أجلسني الشرطي بقوة.. ثم بادرني بالسؤال:
ما اسمك؟
_ حرية يا سيدي
صفعني حتى شربت دمائي
وأعاد علي الكرة
ما اسمك؟
كان صراعا داخلي .. أأكذب أم أقول الحقيقة؟!
وكيف أنجو؟ .. ماعساني فاعل؟!
سأجرب الكذب .. فقد جربته مرارا مع مدرسي لأنجو منه..
اسمي غريب
_ إذن أنت تقر بأنك لا تحب الحرية؟
_ دعني أوقع لك بأصابعي العشرة أنني أكرهها..
ولكنك تحمل بطاقة عليها اسم حرية.. من أين حصلت عليها؟
_ لقد مررت بحشد وكانت البطاقات تتناثر فوق رأسي .. فأعجبتني .. فأخذتها وألصقت عليها صورتي.. لتكون لي هوية..
_ يعني أنت لست مهووسا مثلهم؟
_ بلى سيدي إن الحرية مرض أصابهم فأصبحوا يصرخون بها.. هل تصدق يا سيدي لا أعرف معناها
خذها ولا ترني وجهك بعد الآن…
خرجت حاملا بطاقة .. كان الشارع به الأضواء .. اتكأت على على عمود إنارة..ونظرت لبطاقتي..
وقلت : لم أسمتني أمي حرية؟
ألم تنل أمي حريتها ؟!
وضعتها في جيبي وعدت لمسكني جانب الحاوية.
أ. نيرمين دميس
نص أصاب سهمه جرحا قديما غائرا، جرح مازال ينزف دماء الباحثين عن الحرية والآدمية، الغارقين في القهر والذل والحاجة، أصحاب الأحلام الصغيرة والآمال البسيطة، من يحبسون حلم الحرية بين ضلوعهم، وكأنها سبة أو طلب غير مشروع.
أشيد باختيار الكاتب للعنوان، فمازال البحث جار عن الحرية التي ضلت طريقها إلى من يبتغونها، أيضا اختيار أسماء البطل الحقيقي والمستعار جاءت معبرة جدا وتخدم الفكرة، فمن يفقد حريته يعش غريبا على أرضه.
نص جرئ، طرق باب المسكوت عنه، كان لسان حال الحرية والأحرار في كل مكان، تحياتي وتقديري.
أ. أحمد فؤاد الهادي
ولنبدأ كما أراد الكاتب، لنبدأ بالعنوان “بحث جار” والذي كان الكاتب فيه موفقا أيما توفيق، فعندما يسمع الإنسان أن هناك بحث جار فإن شيئا من الرهبة يحتل قلبه، ويراجع أفعاله وأقواله بسرعة خشية أن يكون هو من يبحثون عنه.
فيدلف في شغف إلى النص، فيجد صورة رمزية شديدة الوضوح رسم فيها الكاتب حال من يفر إلى الحرية وكيف أنها تفوق كل شئ وتستحق التضحية بكل شئ، وفي رشاقة يأخذنا الكاتب إلى الجانب المظلم من الحياة، حيث من يصادرون الحريات، بل ويحرمونها على الناس ويستأثرون بها لأنفسهم، والبطل يضطر للكذب واختلاق واقعا مغايرا لواقعه حتى لايفقد حريته التي تبدو للجاهل أنها مرتبطة بحياة البؤس التي يحياها، نعم، فإن الطائر قد يصبر على الجوع والعطش، إلا أنه يموت لو فقد حريته.
رمزية ذكية وإسقاط بعفي مبدعه من الحرج، وسرد أجاد الكاتب إخراجه، فله ولقلمه كل التقدير، فقد جعل القارئ يتعاطف مع البطل وقضيته ويشعر بالقلق عليه ويسعد لخروجه من أزمته المعقدة.
أ. محمود روبي
النص رغم بساطته الشديدة إلا أنه يعبر عن التوق إلى الحرية، التي بات مجرد الحلم بها سرعان ما يتحول إلى كابوس مخيف..
النص يتكئ على وابل من الرمزية والتكثيف، وهذا دأب النصوص عادة عندما تتناول قضية الحرية..
تحية للكاتب على فكرته الشائكة..
أ. جمال الشمري
طرح لطيف هاديء لفكرة معقدة
اختيار موفق للعنوان فهذا واقع الحال لحرية مفقودة
ولازال البحث جاريا
هذه الحرية التي تنعم بها مشرد اوضح عظمتها الكاتب بكل بساطة
تنقل مدروس بين الشارع والسجن
ليكون الشارع والتشرد أرحم من القيد
لانور قمر ولاراحة على سرير ولا أناس يؤنسون بؤسه.
قالها الكاتب البرد أرحم من دفء الظلم
كذب البطل فغير اسمه
تنكر لحريته فجأة ومرغما على ذلك لا بطل
فأضحى غريباااا
الخاتمة وكأنها توضح ان صرخات الحرية لم تأت من فراغ وان الحرية كانت ولا زالت حلم الأجيال المتعاقبة
رائع أستاذنا امتعتنا بقصتك وسردك الساحر ببساطته
أ.محمد إبراهيم محمد
هي صورة واضحة لما آلت إليه الحريات وربط مدهش بين الحرية والحاوية فالحرية ستظل هكذا تنتقل من حاوية إلي أخري حتي تجد من يحتويها بحق ويدافع عنها فالعيب دائما ليس ف الحرية وإنما سوء أستخدامها كذلك الحال في الحاوية فليس ذنبها إلقاء القمامة بجوارها ..أبدع الكاتب في الوصف والتفصيل لمجريات واقع أليم فحريتنا بدون أحرار وأحرارنا بدون حرية ..سلمت يد الكاتب وإلي مزيد من الإبداع ايها العبقري
أ. هالة علي
نص ثري رغم بساطة مفرداته وسهولة تذوقه.
بحث جار … جملة يندرج تحتها الكثير من المعاني والمقاصد … الباحث بين اكوام القمامة عما يسد به رمقه اصبحت تهمته … اسمه والباحث عن الحرية اصبح مكانه … السجن.
ما بين براح اكوام القمامة وغيابات السجن كان التبرؤ من الحرية اسما ومعنى هو كل الحرية.
نص جميل يصف واقع وحال الباحثين عن الحرية … المزيد من التألق للكاتب/ة.
أ.عاشور زكي
قراءة في قصة قصيرة ( بحث جار)
حينما تلقى الحرية بجوار حاويات القمامة تقتات على فضلات وفتات المتخمين، يكتب الذل على المستضعفين.
حينما تصبح الحرية وباء تنشر أمراضا اجتماعية كالطائفية والميليشيات ذات الأجندات متعددة الأوجه، يباع الوطن في سوق النخاسة من أجل مطالب قبلية وجهوية ونعرات طائفية وإثنية.
حينما تصبح الحرية غريبة وهبة صعبة المنال، في أمة تكرست فيها العبودية لأجيال متتابعة، يتنصل منها المواطن البائس الفقير حينما ينالها اسميا وشكليا، ويحن لجلاديه القدامى، ويستنسخ مستبدين جدد يستلذ بفسادهم واستبدادهم، وتصبح الحرية نير يصطلي به العبيد بغية الأمن والأمان وخشية الفوضى التي تحرمه من أبسط حقوقه كأدمي أشبه بالدواب الحقيرة التي تقتات فضلات وفتات طغاتهم وزبانيتهم المترفين.
أحيي الكاتب/ة على هذا النص الباذخ، وأشكر أستاذنا محمد كمال سالم على الدعوة الكريمة.
في أمان الله.
أ. محمد كسبة
بحث جار
عنوان تعبيري عن حالة البحث عن الحرية التي نفقدها في عالمنا العربي و كذلك الحالة التي يمر بها بطل القصة و هي فقدان الهوية و الضياع و التشرد
في بداية السرد تخيلت للوهلة الاولي ان الكاتب يتحدث عن حيوان يعيش في الشارع يتناول طعامه من القمامه ، لكن مع تطور النص و تطور الاحداث كانت الفاجعة التي سيطرت علي المشاعر حيث طفت علي السطح مشكلة اجتماعية خطيرة و هي التشرد و اللجوء للشارع كمأوي و الرصيف كمقر للسكن
ثم جاءت المقارنة بين السجن و الشارع لتوضح ان الحرية كنز ثمين رغم قسوة الحياة في الشارع
السرد معبر و جيد و الحبكة جسدت المأساة و الصراع الطبقي و أكدت ان الغاية تبرر الوسيلة حيث ان الكذب صار عمله الكل يتعامل بها .
القصة واقعية رغم ان جزئية البطاقة و الصورة من الماضي حيث الآن الرقم القومي
النهاية متوقعة بأن الشارع و الرصيف و صندوق القمامة هم الوطن و الحرية للمشرد
أ. محمد كمال سالم
كان هذا النص البديع لصاحبة الحرف الفخيم، وذات الخلق الكريم، الأخت والصديقة المحترمة هويتي الضاد
شكرا جزيلا لها
أ. أبو مازن عبد الكافي
بسم الله …
بحث جار عن بقايا البطون المتخمة لتقتات بها بطون جائعة لا تعاف الروائح ولا تأبه بتلوثٍ من شدة الجوع.
حلمٌ برغدِ الحياة ينقلبُ إلي كابوس سجنٍ مظلمٍ موحشٍ مقيد للحرية مذلٍ للنفس البشرية.
“امسك حرامي”
ظبطناه متلبس يافندم وحرزنا العضم وطبق الفوم به بقايا حبيبات أرز .
المتهم كان يسطو علي حاوية القمامة بالشارع يافندم. واسمه حرية.
بريء يابيه ..
حرية أيه ونيلة أيه !!
………
أن تظل طليقا حر الحركة والتنقل في نطاقك المحدود عليك بتحري الكذب والنفاق وابتعد عن الشجاعة والمروءة والنجدة، فالجبن وقتئذٍ هو سيد الأخلاق.
لا تستمع للمحرضين وقل لهم :
دعوني فإني آكل العيش بالجبنِ.
لا تعترض ولا تحدث أحدا عما ينتابك من ضيق، ابتلع لسانك، لا تنطق إن الجدار له أذن.
وهكذا تكون حياة العبودية .
الحرية غاية صعبة المنال لا يجرؤ علي المطالبة بها في زماننا غير فدائي يضحي بروحه من أجل حياة الآخرين .
لا يعرف الأسياد قيمة الحرية.. تلك التي من أجلها تناضل البشرية .
ياطير ياطاير لفوق
نفسي لحياتك أدوق
ومن شقايا أروق
وأعيش كريم
ياطير ياحر بجناحك
أنا نفسي أسكن بساحك
وافرد جناحي ف براحك
وبقلبي اهيم
ياطير ياساكن في عشك
بعيد عن اللي يهشك
وف اكلتك صار يغشك
ربك عليم
البومة واقفة تراقب
حواليها شلة عناكب
والكل ع العش ساحب
تخطيط لئيم
ياطير غنانا اللي سارح
والرزق في الأرض طارح
وفين تلاقي المطارح
والعيشة جيم
غني ياطير ع الربابة
يمكن تخاف الديابة
وتسيب مكان للغلابة
يبقى نديم
نص سردي ماتع ناقش قضايا شائكة ، الفقر والتشرد والجوع و أعلى قيمة الحرية وأن الإنسان قديتحمل الفقر والتشرد والجوع في مقابل أن يظل حرا طليقا .
تحية إعجاب وتقدير لكاتبة هذا النص السردي الرائع.
أبومازن عبد الكافي.
6/11/2021m
أ. فتحي محمد علي
أرى الروعة تطل من شرفات القصة بمهارة واقتدار متمثلة أولا في العنوان الهلامي الذي يذهب الذهن معه كل مذهب؛تعريجا على تجسيد أبعاد الشخصية التي ترسم معالم هذا النمط من ناحية،ومن ناحية أخرى الخلل في الوضع الاجتماعي.
الحوار الداخلي في أعماق البطل ذو دلالة نفسية عميقة.
وفقت الكاتبة توفيقا شديدا في اختيار اسم البطل الذي يعكس المفارقة الاجتماعية والذي زاد من روعته تلك التساؤلات الملحة منه في شخص البطل،فضلا عن روعة توظيف الأساليب الإنشائيةالاستفهاميةالتي ثزيد من إثارة المتلقي واهتمامه.
الألفاظ والعبارات والصور موحية ومعبرة وتتناغم والحدث كوسيلة فنية.
اللغةنحوا وصرفا وإملاء ودلالةسليمة إلى حد بعيد؛إلا ماند منها في مجئ:
“أتراهم مبعوثين”:والصواب “أتراهم مبعوثين”.
“ماعساني فاعل؟!”:والصواب”ماعساي فاعلا؟!”.
مع تمنياتي بالتوفيق للقاصة المبدعة.
أ.
التعليقات مغلقة.