قصة للنقد : غيابة الجب
“وتعود سفينة القص لتبحر مجددا، تستخرج درر السرد ولآلئ الإبداع، فلتمتعونا..
غيابة الجب
امام الفندق الجاثم بخيلاء… وبهاء..
فُضَ قلبيهما، وهما يقرئان الرسالة المرفقة بشيك يحمل حفنة كبيرة من الدولارات، وقصاصة من ورق كتب فيها:
_لم نستطع البقاء أكثر من هذا ها هنا، أمي أبي سأعود قريبا.
سار الأبوان المكلومان, بخطى وئيدة, لا يدريان إلي أي مكان تحملهما أقدامهما المنهكة، فرغ الحديث بينهما، ما عاد شئ يقال رغم ازدحام الأنفس من تشظٍ و عصف وصراع، يسيران متجاورين ؛ وقد شرد كل منهما عن الآخر. في فراغ مؤلم
أهكذا يا يوسف تفعل بأبيك؟
عشرون عاما أنتظرك، كم حَملت رسائلي إليك أشواقنا أنا وأمك! ورجوناك أن تضع حدا لهذا الفراق والاغتراب.
كنت رسائلك إلينا لا تحمل إلا نقود، يا ولدي الحبيب، كانت تسعدنا في أول الأمر، كنا بحاجة وعوز لأقل منها، الآن وقد هرمت أنا وأبوك لا نريد إلا وجودك .
أرسلت لي السلطات الإيطالية:
أرسل وثائق هذا الولد، وشهادة مولده !!
يومها ملأني زهو الانتصار !
أبوك هو من فعلها أنا بريئة ولدي، لم تجف دموعي منذ تلك الليلة المظلمة برياحها العاصفة، وأمواجها العاتية، يتسلل فراغ حضني منك لكل مكان، لم أذق طعما للنوم، إلا حين أرسلت السلطات الإيطالية لأبوك خبر وجودك, يومها عرفت أنك يا قرة عيني إنك مازلت على قيد الحياة.
كنت سعيدا أنك أصبحت هناك.. كنت أعرف أنهم سيحسنون وفادتك، أنهم سيصلحون تربيتك وتنشئتك، ثم تتعلم وتعمل وتربح وترسل لي المال, لنبني البيت مثل بيت عمك، ونجهز لزواج أختك الصغيرة، خططت لكل شيء بحنكة, ونجح مخططي.
كم رجوت والدك، كم توسلت إليه:
لا تفعل هذا بوحيدنا أتلقيه في آتون الظلام ولم يبلغ رشده بعد؟!
نهرني! اتهمني بالجهل والخنوع للفقر.
طار قلبي من الفرحة وملأني الزهو بدهائي, مع أول ألف دولار أرسلته لي بني, وكان زهوي أكبر لما عاد من كان معك من الرجال خاسرين خائبي الرجاء، وبقيت أنت هناك.
ليتك كنت هنا يا حبيبي لترى فرحة أبيك وجنونه بأول مبلغ أرسلته، يومها بكيت بشدة، يومها أيقنت أنك غبت عني للأبد، كان لايزال الأمل يراودني أنك ستعود كالآخرين، حتى ولو كنت محملا بالخيبة.
ألف دولار، ثم ألف، عام بعد عام…
بنيت البيت يا ولدي على أعلى ربوة في البلد، يختال بين كل البيوت بفخامته وجماله، وأرسلت لي أنك ستتزوج من إيطالية، رجوتك أن تعود، أن تتزوج من بنات أهلك هنا، ولكنك أبيت.
تزوجت يا قرة عيني غريبة عنا، وأنجبت ولدا جميلا لا يعرفنا وهاتفتك باكية: ألا يحق لأمك التي أنجبتك أن ترى حفيدها؟!
أخيرا أشفقت على أبويك، وقد انشطر قلبيهما لوعة وشوقا إليك وهاتفتني:
أبي ابني أصبح ابن خمسة سنوات، سآتي في زيارة لترونه..
ملأت البلد بالزغاريد, فرحتي غمرت الدنيا، سيعود يوسف لي بعد غياب طويل، زينت لك البيت بالنور، بالورود, فرشته حريرا شوقاً وحناناً ودمعًا
دعوت كل أهل البلد وأعددت الولائم، ولدي عاد، شاركوني يا جيراني وإخواني فرحتي، وسألتك:
مابك يابني؟! متأفف ضجر
مدوا أياديكم لطعامنا, ألا تشتاق لطعام أمك؟
وقبلت تعللك من سفر طويل، وطريق شاق متعب لبلدتنا البعيدة.
قلت لي:
سامحيني يا أمي، لم ننم ليلتنا من البعوض ومن نقيق الضفادع، حجزتُ في الفندق الكبير حتى ترتاح عائلتي الصغيرة، ولعلي أصحبهما ليشاهدا جمال بلادنا وحضارتها.
ولم تعد ولما استغيبتك قلت لأبيك:
خذني لولدي أراه في الفندق، لا بأس إذ لم يرتح هنا.
نفير سيارة قوي نبههما، ينهرهما سائقها:
(ماتمشوا على جنب يا عم الحاج انت وهيه!)
نظر إليها بذلك الحزن كسيرًا وقال:
إحنا بقينا فين يا أم يوسف، وفين يوسف؟ توسدته بلوم وعتاب هامسةً: يوسف فقدناه للأبد، يوم أن ألقيته طفلا صغيرا في غيابة البحر.
أ. أبومازن عبد الكافي
قصة رائعة.
حبذا لو كان عنوانها “غيابة البحر”
ولا نستدعي بها قصة سيدنا يوسف بعدما القي في غيابة الجب وسار في طريق كتبه الله له وهو نبي مرسل.
لو غيرنا اسم يوسف يكون أفضل.
فشتان بين القصتين.
براعة في السرد والفلاش باك في حديث الأم والأب كل مع نفسه.
حديث العقل”الأب” وحديث العاطفة”الأم”.
جم تقديري واحترامي لصاحب/ة هذا النص الجميل.
أ. هالة علي
نص جميل … ربما قصد او قصدت صاحب/ة النص انهم ألقوا ابنهما في غيابة جُب الغربة والضياع.
قصة حقيقية جدا وواقع مرير يعيشه الكثير ممن يحلمون بجنة الغربة وفردوسها الزائف استطاع الكاتب/ة ان يجعل القارئ يشاركه في احساس الابوين بمهارة.
أ. عبير عزاوي
القصة رائعة جد
سرد قوي وفكرة مميزة رغم تكرارها لكن المعالجة المميزة والتناص اللامع مع قصة سيدنا يوسف أكسبتها بريقا اخاذا
كم نلقي بأسهم أحلامنا في لجة الرجاء لكنها تعود محملة بالخيبة وماتزرعه أيدينا تجنيه قلوبنا .
الغربة تنبع من داخل العلاقات الإنسانية المعقدة والحاجة سيدة الحكي .
حبكة قوية ولغة قصصية بارعة
كل التحية لك غاليتي نرمين للاختيار البديع وللكاتب/ة المبدع/ة .
كل المحبة
د. جيهان هلال
قصة رائعة مبنى ومعنى
عنوان مشوق أحداث متتالية مشاعر متباينة
وما أجمل الشبه بغياهب جب سيدنا يوسف حيث فقد في الغربة ولكن قلب الوالدين على أمل اللقاء
كان هناك تنوع ما بين استخدام ضمير الغائب مرة والمخاطب مرة أخرى
حبذا مراجعة النص كتابة
كل التقدير والاحترام للكاتب أو الكاتبة المبدعة
أ. سامح الشبة
رائع جداً هذا الحكي لواحدة من قصص المغتربين في كل البلاد الغريبة التي أصبحت بمرور الأيام والسنوات بلاد أليفة ألفها الغريب وعاش وتزوج وأنجب فيها.
والأب والأم في بداية سفره في غاية الفرح بدولاراته عام بعد عام إلى أن مر الزمن والعمر بهما وابنهما في غربته وهما في شوق لرؤية ابنهما الذي طال انتظاره وعودته عاما بعد الآخر.
تحية لكاتب/ة النص.
أ. فتحي محمد علي
العمل قيم من حيث المضمون والهدف،أما من حيث الشكل فيه بعض التجاوزات اللغوية والإطالة،واستخدام ضمير المخاطب على هيئة حوار بين الأب وأبيه خرج بالعمل من دائرة القصة؛بل كان الأنسب إلى تقنية القصة استخدام ضمير الغيبة.
أ. كنانة عيسى
سرد متمكن ،لغة واثقة،رؤية مميزة… أحي قلم الكاب المميز
أ. نيرمين دميس
والآن حان وقت الإعلان عن كاتب هذا النص البديع، والذي سيفجر الإعلان عنه مفاجأتين، الأولى أن صانع هذا الإبداع هو..5..4..3..2..1..0
أستاذنا الأديب المبدع ا/ محمد كمال سالم
الذي أراد أن يشاركنا بإبداعه، وإن اضطرته الظروف إلى التغيب بعض الوقت، ولم يعلم كلانا أن ترتيب عرض نصه للنقد، سيكون السابق مباشرة للمفاجأة الثانية وهي ….
5..4..3..2..1..0
عودة ربان سفينتنا إلى قواعده الأدبية في بحر الأدب سالما غانما مع بداية الأسبوع المقبل إن شاء الله، ليرسو بسفينته وركابها وبحارتها على بر الإبداع المتجدد إن شاء الله، فأهلا ومرحبا بك على متن سفينتك أستاذنا، عود أحمد إن شاء الله
أشكر ثقتك الغالية للمرة المليون، وأتمنى أن أكون قد أديت الأمانة وأن كنت على قدر تلك الثقة وذاك التكليف الغالي.
جزيل الشكر والامتنان والعرفان وخالص التحايا والتقدير لكل المبدعين والنقاد الذين ساهموا معي في إنجاح الأمر وساعدوني على أداء أمانتي، أشكركم كل باسمه على تحملكم لي وتعاونكم معي وحسن تفاعلكم ورؤاكم الثاقبة الثرية، فلولاكم أساتذتي الأجلاء ما سارت الأمور على هذا النحو.
دمتم مبدعين داعمين مخلصين خلوقين
شكرا شكرا شكرا لكل من كتب حرفا أو أشار إشارة أو مر من هنا
التعليقات مغلقة.