قصة للنقد : مبدعون للبيع للأديب أحمد فؤاد الهادي
قصة للنقد : مبدعون للبيع للأديب أحمد فؤاد الهادي
أصدقائي الأعزاء/
بسم الله نبدأ معكم دورة جديدة وفقرتكم الخاصة “قصة للنقد”
بالطبع هي فقرتكم الخاصة، فهي منكم ولكم.
النص/مبدعون للبيع
في سوق للكلمات يعرضون أديبا للبيع، إنه كبير الأدباء، أجلسوه على حجر إلى منضدة بالية صغيرة، قذفوا أمامه بأوراق مهترئة وريشة معوجة ومحبرة بها قطرة من مداد أسود. تقدم كبيرهم نحوه وعيناه تسبقانه، فكأنما أصابت أحشاء الرجل فأخذ يتلوى كاتما صرخاته قهرا وخوفا ورعبا.
أشار إليه كبيرهم بسبابته حتى كاد أن يخرق عينه وهو يزمجر: أكتب، تلفت الأديب المسكين دون أن يلتفت، فما رأى سوى هذا الشيطان وخلفه لا شيء، وكأنه يقف على حافة الكرة الأرضية.
مازال الصوت يزمجر في أذنيه، والكلمة كأنها تحجرت أو أن الهواء أبى أن يحملها بعيدا عنه: أكتب. حاول أن يغمض عينيه لبرهة يستريح فيها من هذا البشع ولكنه لم يستطع وكأن الشيطان قد أمسك بجفنيه، زاغ بصره للحظات ثم انتبه عندما استعادت عيناه بعضا من قواهما، السوق مزدحمة بالأدباء والعلماء والفنانين الذين يعرفهم جيدا، بعضهم معروض في أقفاص حديدية وآخرون مكبلون بالسلاسل وملقون على الأرصفة، وهذا يضع عددا منهم موثقين بعضهم إلى بعض بالحبال على عربة خشبية متهالكة يجرها حمار، الأرض تناثرت عليها الكتب والأبحاث والكلمات والآراء واللوحات والتماثيل والتحف، كلها تدهسها النعال وتمضي دونما اكتراث، كلها تتألم وتئن، نعم.. إنه يسمع أنينها.
أفزعه حشرجة صوت هذا الكريه وهو يركله بالكلمة نفسها: أكتب. تلعثم وهو يحاول أن يفلت من محنته، خرجت كلماته مبعثرة:
إذا كنتم ستدهسون كلماتي، فلم الكتابة إذن؟
تعالت ضحكات القبيح وترامت إلى أذني صاحبنا كصوت تتالي تصادم عربات قطار توقف فجأة، فضج منها، وشعر أنه قد اختار لنفسه نهايتها.
قال كبيرهم:
أكتب ما في رؤوسنا لاما في رأسك كهؤلاء السذج.
قال وقد تراجع قلبه إلى ظهره خشية أن يبطش به:
وهل في رؤوسكم إلا قمامة الأفكار؟
ومرة أخرى تحرك القطار في حنجرة الكريه وتوالت التصادمات وهو ينظر إليه في سخرية واستخفاف:
ألا تدري من نكون أيها الضفدع الحقير؟
ولم ينتظر منه ردا وهو يقول:
لقد تحملناكم زمنا طويلا، سعيتم خلاله وسعينا، حتى جمعناكم في هذه السوق فما تقدم أحد ليدفع فيكم درهما، بعثرنا نتاجكم على الأرض فما انحنى صغير ولا كبير ليجمعه، بل تمر عليه النعال متأففة، أما أتباعكم فهم قابعون في صومعاتهم لا يحركون ساكنا، بدأتم من أعلى وبدأنا من أسفل، ثابرنا حتى ارتجف الأعلى وسقط في القيعان، شكلنا العقول وحرثناها ونثرنا فيها ما عندنا حتى نما وظلل على العيون فلم تعد ترى سوى رايتنا، وتدلى على الآذان فلم تعد تسمع سوى صوتنا.
انتفض الأديب وبدا هذا الكريه كعلامة استفهام كبرى، صاح في خوف:
من أنتم إذن؟
حملق فيه الكريه وقد ازدادت عيناه احمرارا وهو يقول:
تدعون العلم وأنتم لا تعلمون، فالعلم هناك خلفكم بمئات السنين، نحفظه بين صخور قاسية تحرسها قلوب ميتة ولا نسمح لبشر أن يغترف منه إلا بعد أن نغلق نوافذه وأبوابه، تلك هي الأمانة التي لن نسمح لكم أن تقربوها، اسأل عنا أطفال المدارس وشباب الجامعات وعمال المصانع وفلاحي الحقول، نحن في كل شارع وحارة وزقاق، تجدنا حيثما وجد إنسان.
كلمات زادت الغموض غموضا، حتى أفاق على أصوات ترامت إلى مسامعه من بعيد، ضجيج وطبول وهتافات يكاد يميزها:
الويل للمثقفين الخونة.
حتى اقترب الحشد فاستطاع أن يقرأ بعضا من لافتاتهم: يسقط الأدباء والمفكرون، يسقط المبدعون والعلماء والفنانون، اتركوا العلم لأهل العلم، نحن العلماء وأنتم الدخلاء.
انتشر الحشد في جماعات، تلك تحرق والأخرى تهدم والثالثة تقتل، تلونت الأرض بالدماء، علا صراخ الأطفال ونحيب الثكالى، سحب الدخان تصارع ضوء النهار وتشوه ظلام الليل، الباغون يسعون في الأرض فسادا.
كبير المبدعين ينفجر صارخا في وجه الكريه فيلفظه لأمتار حتى يسقطه من حافة الأرض إلى مصير محتوم، زئير المبدعين يعلو وعقولهم تصهر أقفاص الجهل، ينطلقون في كل اتجاه، المغيبون يحتشدون حولهم وقد تفجر النور في عقولهم، صار المد عظيما يبتلع كل من يدركه من الظلاميين، تساقط الشهداء، النساء برزت مخالبهن فلم يصمد أمامهن باغ، علا الأذان ودقت الأجراس، انفرجت الأسارير، توجه الظافرون صوب أرض السوق حاملين المعاول والفؤوس يتقدمهم العلماء والأدباء والمفكرون، لم يبرحوا أرض السوق حتى شيدوا عليها حصنا منيعا يعج بالعلم والمعرفة، فيه من البراح ما يستوعب الناس جميعا، خلت الشوارع والبيوت من الناس، الجميع في الحصن يصلون لله شكرا.
أ. هالة علي
اكثر من رائعة … لابد يوما من نهار تُشرق شمسه لترحل جحافل ظلام العقول.
دامت الافكار النيرة والاسلوب المميز.
أ. منال عيسى
صورة فنية لحال المثقف الذي خرج من المشهد تنتهي برؤية مستقبلية متفائلة بأسترداد هذا المثقف مكانته الضائعة – وسط كبر الجهلاء وههيمنتهم على هذا المشهد – نهاية تبعث الأمل في نفوس الحكماء مما يحفزهم على مزيد من الإبداع والآستمرارية. يستهل الكاتب فكرته بشكل رمزي حتى تكشف الفكرة عن نفسها تدريجيا بفوز أهل الفكر على التافه والغث.
أ. رانيا المهدي
الفكرة غاية في الروعة.. استخدام السوق في محله جدا فهو ساحة البيع والشراء.. القهر واضح والألم حقيقي وهذا يجعل الكتابة صادقة.. النهاية تحمل الأمل الذي نفتقده في الواقع ونتمناه.
تحياتي لكاتب النص
أ. نيرمين دميس
أرى كاتبا يثأر للعلم والأدب ومنارات الثقافة، فتخيل لقاء الجهل والظلمة بالعلم والنور، جعل فيه الباغون أسياد موقف في بادئ الأمر، ليفاجأنا بانقلاب الأمر في النهاية، وأنه من أجل غلبة الحق لابد من صحوة حقيقية..والحقيقة أن حل أي أزمة إنسانية أيا كان نوعها يكون في صحوة جمعية صادقة، ولكنها للأسف صحوة دائما تنتظر قائدا ثائرا منتفضا، وكأنه لا بد لشخص ما أن يحمل اللواء! لذا كنت أتمنى أن يريني القاص كيف انقلب الوضع، وتحول الكاتب المنكمش المرتعد إلى ثائر غاضب يملك وأمثاله زمام الموقف.
كل التحية والتقدير
أ. صديقة علي
الفكرة رائعة ومغرية والتناول جاء مرسخا لها باقتدار، السرد متسق وجاذب إلا أن صوت الكاتب جاء واضحا بكل الأحوال أحببتها جدا وشدني السوق فكثيرة هي الأقلام المأجورة، التفاؤل جميل حيث تهدمت الأقفاص وانبثق مكانها ما نتمناه أو نصبو إليه تحيتي للكاتب المبدع / وشكري العميق لك أستاذ محمد كمال سالم
أ. سعيدة بن جازية
شدتني الفكرة والأسلوب كان رائعا لطرح قضية الأقلام المأجورة و فضح أسواقها المهتوكة تعرية لواقع ليس بالمستحدث.
دام إبداعكم و بوركت اختياراتكم
تعليق الأستاذ محمد كمال سالم
كل الشكر لكم أحبتي ولو أني كنت أطمع في المزيد من الرؤى والدراسات ولكنها أرزاق سيدي أحمد فؤاد الهادي وهذا رزقك وإن كنت أجده ثمينا فالمسألة بالكيف لا بالكم.
فشكرا جزيلا لكل من حضر معنا من الأساتذة/
Halla Ali
Manal Eissa
Ranya Elmhdy
Nermein Demeis لها عندك رد، إحنا بنهدي النفوس فقط
صديقة علي
Ben Jazia Saïda
أما أنا:
لست أدري لم كنت أشعر وكأني أقرأ مسرحية توفيق الحكيم (السلطان الحائر) ربما السوق الغير تقليدي السمة المشتركة بين الروايتين مع اختلاف الموضوع جملة وتفصيلا، ربما النظرة الفلسفية المشتركة والرمزية التي استحدثت كلها من الخيال لخدمة الفكرة، ربما.
وأخيرا محبتي وتقديري لكم جميعا ولصاحب النص أستاذي وصديقي الحبيب/
أحمد فؤاد الهادي
تعليق الأستاذ أحمد فؤاد الهادي صاحب النص
محمد كمال سالم
كل كلمات الشكر والثناء لاتكفي للتعبير عن تقديري وامتناني بهذا الجهد الذي تبذلونه ليظل هذا الباب نافذة ومتنفسا للجميع، أسعدني اختيارك لقصتي واستجابة الأحباء لدعوتك لهم بالمشاركة والتفافهم حول النص وترك بصماتهم المضيئة عليه.
شكرا صديقي الغالي … أدام الله ودك ولاحرمنا فضلك.
أ. محمود حمدون
تذكّرني القصة الجالية بموقف مشابه حدث عقب قيام ثورة يوليو, حينما رفع أعضاء النقابات والاتحادات العمالية شعارات تطالب باسقاط الديمقراطية, , وانتهت مظاهراتهم بالهجوم على مجلس الدولة والاعتداء على الدكتور الفقيه عبد الرازق السنهوري, الذي لم تنجب مصر مثله أبدأ .
البعض بالفعل يضيقون بالإبداع, يرغبون في فرض وصاياهم على المبدعين والكتّاب, جين يحدث ذلك إعلم أن منحنى السقوط بدأ في الميل بشدة لأسفل.
لا خلاص ولا أمل كما قال القاص إلّا بصحوة الفكر والأدب والعلم وتكاتفهم, لعل القصة برغم مباشرتها وتركيزها على الفكرة بقوة لا تدع للقارئ أي تفسيرات أخرى, كأنها تضرب جرس إنذار, وتقول : هو طريق من اثنين إما نجاة أو غير ذلك….. تحياتي للمبدع الكبير
أ. ليلى الشيمي
أكثر من رااااائعة
أ. جمال الخطيب
الفكرة جيدة، لكن السياق وضعها في قالب وعظي ..في السوق يتم العرض والطلب والبيع والشراء عادة وهنا تكمن القصة لو أراد القاص .
التعميم والطابع الجمعي قد لا يخدم النص أحيانا .
جميل .
التعليقات مغلقة.