قصة للنقد : مزاد علني بقلم الأديبة ..زينب التميمي
أصدقائي الأعزاء: أسعد الله أوقاتكم جميعا:جئت لكم اليوم بقصة، أرى من ذائقتي أنها تستحق القراءة والتعقيب، وأتمنى أن تجد لديكم ذلك الشعور.
النص : مزاد علني بقلم الأديبة .. زينب التميمي
بحالة من الهذيان والشرود جلس يقضم بأظافره تارة ويحك بشعره تارة أخرى ماطا شفتيه ينتظر خبرا ما.
يُطرَق الباب بشدة، يهمُّ لفتحه، لا أحد سوى السكون وجثة هامدة مسجاة عند الباب بدا عليها آثار التعذيب، غائرة الملامح ، آثار سجائر مطفاة في الوجه ، أصابع بلا أظافر ،بقع زرقاء اختلط فيها الدم الذي رسم خطوطا للألم عليها ، عينان بلا رموش ، ظلّلَ الأسود ماحولهما .
وقف متسمرا والزبد يهطل من شفتيه ،لهاث أنفاسه تعلو وهو يواسي خبايا روحه المأسورة، تنكسر أصفاد الذاكرة فتقبل السنون تجر ذلك العمر الآثم ،
ثمة مايوجز كل القصة في سطر واحد، انعطافة عمر داسه بجرة قلم.. أنا موافق…
لم يكن يعرف أن موافقته تلك ستجعل منه كلبا أسيرا عندهم، يمرر لهم تقاريره اليومية حول مايشمه من رائحة تمرد او انقلاب او مايتعارض مع ديمومتهم .
قبل ستة أعوام لم يكن ينتمي لتلك النخبة التي أجادت التصفيق لهم فظل مقبورا في زنزانة حياته بلا عمل. مرّت الثلاث سنوات بعد التخرج من كلية الهندسة بلا عمل ولا زواج تلاشت أحلامه وتلاشت إنسانيته التي مزقتها الضغوط النفسية والمادية… وتباعا عتمت وجلدت روحه، انطفأ بريقها كما أخلاقه التي كان يعرف بها كريما ساميا عن كل خطيئة ، ومع الحاجة الملحة لحياة أفضل ماديا ما كان عليه إلا أن يوافق.. أن يصبح تابعاً وفقط… تقالبت التقارير وزادت ، وبعلاقة طردية زاد المعدل المادي في المستوى المعيشي والترقيات في وظيفته التي حصل عليها قبل سنتين. آخر التقارير كان مختلفا … وعدوه أن لا يصيبه سوء على أن ينقل لهم تسجيلا لصوته وهو يتحدث عن رفضه للواقع المأساوي الذي ساد البلاد وعن الإصلاحات التي يتمناها كمواطن حر يطالب بحقوقه.. لم يستطع التوقف عن لهاثه فقد تأخر الوقت كثيرا، التراجع هو النهاية له، قدّم التقرير ، زايد على ضميره في سوق القطيع.. هطل لُعابه مرة أخرى وهو يقلّب بالجثة ككلب مسعور جائع ينتظر المزيد من الطعام ، رعف أنفه ،علا صوته، صرخ ، نحب، ثم ضحك .. كان يتمنى عودته رغم يقينه بأنه لن يعود سالما مذ سلم التقرير قاطعاً آخر ماتبقى من ذلك الحبل السري الذي ربط بينهما وغذاهما معا ،دفن الجثة، زاد قسوة بزيادة لهاثه.
الرؤى الانطباعية والقراءات النقدية :
محمد موسى العويسات:
رائعة جدا، وصف نفسي دقيق لظاهرة موجودة في بلاد العرب،ما أجمل اللغة وأسلسها!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد رضا:
” الرمز أسلوب راق عظيم..
وأصحاب الجوهر الطيب لا يتخلون أبدا عن مبادئهم
ولو انقلبت الدنيا رأسا على عقب !
هذه أقصوصة صراع مع المبادئ !
قصة جميلة سيدي الأديب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فتحي محمد علي:
قصة هادفة ماتعة ذات حرفية فنية رائعة!
تتصاعد روعة القصة مضمونا في تجسيد هموم جيل وكيف يتم استقطاب ذوي تلك الهموم.
يتجلى حسن استخدام الوسائل الفنية متجليا في الفلاش باك متكئا على البدء بقمة الحدث الدرامي.
مهر القاص/ة في توظيف البعد السيكولوجي لدى البطل الذي أعده البطل الثاني بعد تلك الجثة الممثل بها؛فضلا عن كون ذلك البعد السيكولوجي مثل حوارا داخليا بارعا.
تصاعدت تلك الحرفية من حيث الشكل في حسن توظيف التصوير الفني كوسيلة فنية.
جاءت الألفاظ خير معبر عن حيثيات الحدث من حيث إيحاؤها.
لغة القاص/ة لغة متمكن إلا ماند منها من أمور قليلة جدا تعد من فنيات اللغة لدى المتخصص.
تحياتي للقاص/ة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جدوى:
ذكرني هذا النص برواية جورج أورويل
1948 هذه الرواية التي تمتلئ بأفكار الجاسوسية البريطانية وهذا مابنيت عليه سياسة بريطانيا .
الرعب والخوف عدم الإحساس بالأمان ، أقصى درجات الانضباط قد لا تقي من العقوبات الفردية ولا الجماعية والسجن أيضا كي يبقى المجتمع قطيعاً خانعا خائفا ينفذ مايريد من أسماه الكاتب /الأخ الأكبر/.
إضافة إلى التقارير التي تقدَّم عن كل صغيرة وكبيرة كي تطلع عليها السلطة مقابل أنها الساهرة على الاستقرار والأمن
هذه النصوص تعطي الإحساس بالرهبة والقلق الدائمين .
شكراً لكم أستاذه جيهان الريدي ، شكرا جزيلا الأستاذ فتحي محمد علي
الأستاذ محمد كمال سالم شكرا ممتنه
وللقائمين على برنامج الرسم بالكلمات الشكر والتقدير.
مساؤكم خير وسلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هالة علي :
بجرة قلم … باع أمانَه وسجن روحه … باع إنسانيته..
واقع مظلم من كواليس الصف الخامس..
دام التألق والإبداع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مايسة إمام إبراهيم :
بداية العمل مثيرة تذكرني بقصص بأفلام هيتشكوك المثيرة للرعب فقد جعل الكاتب أنفاسي تتسارع ودقات قلبي تعلو مع تتابع الأحداث خاصة مع الجثة التي أراها تمثل شخصيته بطل القصة نفسه
وكل مابها من إصابات وتشوهات ماهو إلا إصابات وتشوهات نفسية داخله بعد سقوطه في بئر الرذيلة الأخلاقية وبيع المبادئ مقابل المال والترقي
ورغم مايبدو من صراع نفسي داخلي بين الشخصيتين
الصالحة الفاسدة إلا أنه حسم الموقف بتغليب المصالح الفاسدة
أحيي كاتب القصة على لغته السردية العميقة وخياله الخصب وإن كنت أشعر أنه بتر العمل سريعا وأن له جوانب عديدة كان لابد من التعمق فيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب أبو سنة:
قصة مميزة جدا …. بأبعادها الثلاثية… وعمقها الشديد…الخيال بها خصب ، مجنح.. والسرد فيها سريع متلاحق الأحداث الكثيرة..أحييك أخي الرائع القاص المائز محمد كمال سالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فاطمة مندي:
سأبدا تعقيبي بالعنوان هو لا يمت للقصة بصلة مزاد عن إيه تحديدا ممكن أن تسمى التقرير أو قطع الحبل السري او كلب التقارير القصة رائعة سردا قضية قتلناها سردا مع وجود بعض أخطاء(أجاد التصفيق) تحياتي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السيد الشيتي:
أسلوب رمزى عميق يصور واقعا مرا يغوص فى نفس الكاتب فيخرجه بلغة قصصية عبقرية..
تحياتى وتقديرى لكاتب هذه القصة وتمنياتى بالتوفيق الدائم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد الدليمي:
عند قراءتها أول مرة أحسست بخبايا مع العلم القصة بوليسية على نحو أفلام الستنيات القرن الماضي وبعد القراءة الثانية فهمت الصور المتعددة وفي القراءة المرة الأخرى وجدت الأسرار تكمن خلف خباياها وغايتها بعيدة تتلوها العبرات فكل شيء فيها عميق وباهر ولحسن صياغة الكاتب ومعرفته في تمكين الألفاظ ونسجها بالطريقة الصحيحة ما تألقت معانيها بالشكل الصائب تحيتي للكاتب العظيم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بوبكر خليل:
قصة ذات معنى ومغزى موحية ودالة ومؤثرة عنصر التشويق حاضر وبقوة فكرة النص عميقة، كان النص القصصي يصور لنا مشاهد مرعبة جدا ، القاص استطاع أن ينقل لنا أحداثا حقيقية من الواقع المزري العربي..
أحسنتم النشر سلمتم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد النبي عياد:
قصة معبرة جدا السرد رائع لغة عربية سليمة كاتب متمكن من أدواته الأدبية أحسنت.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمود حمدون:
في حياة كل إنسان نقطة انقلاب, تنقله من طرف لآخر بزاوية واسعة أقرب إلى مائة وثمانين درجة, قبيل الوصول إليها بفترة قصيرة, تتساوى لديه كل الفرضيات, البقاء والموت, التمسك بالشرف, الحرص على بيع النفس بالبخس, لا يصل المرء إلى تلك المرحلة إلا حينما ينهزم من الداخل, حين تموت آدميته أمام أبسط حقوقه السليبة.
قرأت القصة كعادتي , مرتين, الأولى سريعة, ثم الثانية لتكوين رأي شخصي, لا يُلزم القاص, ولا القارئ, مجرد رأي لا يمثل تعقيبًا على حالة سردية إبداعية تخص صاحبها فقط, تقليدية الحكاية تجاوزها الكاتب بحرفية السرد العالي, بمفردات غاية في الرشاقة, في حوار داخلي نفسي, يعكس اضطرابًا نفسيًا لدى البطل, لكن الأمر اختلط عليّ قبيل نهاية القصة, بخاصه وأنه لم يشر ولو من طرف خفي لصاحب الجثة, غير أنني استنتجت أنها لقريب أو توأم أو أخ, أمر أجهدني كثيرًا, أفقد القصة بعض متعتها التي تميّزت بها, تحياتي للقاص.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عاشور زكي أبو إسلام:
بما أن العنوان عتبة النص فإنه مكون من مفردتين مزاد/علني، وهو ما يعني لغةً بيع يتم بين المشترين بالمزايدة، أي حسب من يقدم أعلى ثمن.
فعن أي مزاد علني تحكي القصة؟ وما نوع السلعة المعروضة للبيع؟ وأين يقع المزاد المفتوح؟
متن النص:
بعد قراءة القصة أكثر من مرة، لم أجد مزادًا علنيًا بالمعنى الحرفي للكلمة؛ لكنني وجدت روحًا بلا جسد، ضميرًا غائبًا شاردًا مذهولًا أمام جثّة صاحبه الهامدة التي نالت من التنكيل والعذاب بالغ القساوة مما لا يصدقه عقل!
أمام ذات باعت نفسها أو روحها للشيطان/ السلطة الفاسدة من أجل الحصول على وظيفة حقيرة “التجسس” على الشعب لأجل حماية النظام. فما أحقرها من وظيفة أن يصير المرء كلبًا لنظام فاسد أو لحكم جائر!
يضرب لنا القرآن الكريم المثل التالي في سورة الأعراف الآية 176:
« ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذّبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكّرون»
ومن طبيعة الكلب اللهاث الدائم سواء كان مرتاحًا أو متعبًا مثل بعض الناس منقطعي الفؤاد سواء حملوا العلم أو تركوه.. أوكمثل الحمار يحمل أسفارًا.
كان السلاح الذي استخدمه في القضاء على المعارضين هو نفس السلاح الذي قتل به نفسه بأيدي جلاديه..
وهذه عاقبة من ينافح ويدافع عن الظلم: العيش في ظلام داهم.. ويمكن تلخيص القصة في ومضة قصصية:
لهاث
دفن الجثّةَ؛ انبعثت القسوة.
خان القلم؛ احتضنه الظلم.
نكح الظُلْمةَ؛ تكاثر الظَلَمةُ.
في الختام أحيي كاتب النص متمنيًا له دوام التوفيق.
في أمان الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نرمين دميس:
هي تلك المعادلة المشهورة..
ظروف اقتصادية متردية + ضعف إنساني = استغلال واستقطاب + سقوط إلى الهاوية
صراع النفس الذي بات يحسم لصالح السقوط والتهاوي والتضحية بالمبدأ، ذاك الصراع الذي أعتقد أن الكاتب أجاد التعبير عنه، بالتعمق في وصف مشاعر البطل وحالته النفسية، بألفاظ وعبارات سلسة ولكن دالة موحية في نفس الوقت، لذا أرى أن اللغة هي مايسترو هذا النص، التي استطاعت أن تجعلنا نتابع نصا واضح الفكرة منذ البداية، فكان الرهان على معايشة معاناة الشخصية الأساسية، والتفاعل مع مراحل تطورها، ما بين تعاطف وازدراء على طول النص..
أعجبني ذاك الوصف الدقيق الجثة التي قصد الكاتب/ة جعلها مجهولة الهوية، وكأنني بينما أتطلع إليها، تتجسد أمامي تشوهات البطل النفسية، ومالحق به من أذى، عندما باع مبادئه بثمن بخس.
كان ومازال مزادا ولكنه سري لا علني..
تحياتي لمبدع/ة النص.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد كمال سالم:
بعد أن أشكركم أصدقائي وأساتذتي الغوالي:
كان هذا النص الرمزي الرائع للأديبة الرائعة بيلسانة العراق النضرة زينب التميمي..
جزيل الشكر لكم ولها أن قدمتم لنا تلك الفقرة الثرية.
التعليقات مغلقة.