قصة من كتاب الموتى…بقلم د.أحمد دبيان
أطال النظر إليها،صفراء ،مفغورة الفم واﻷحداق …جمجمة أوقعها قدرها وقدره فى بديه حين إشتراها من عامل المشرحة فى الصباح.
وحده كان على الطريق بعد أن تركه اﻷهل مثلما تركه الرفاق ..على يساره البحر ويمينه تنتصب المبانى الشاهقة حرابا عملاقة تجرح براءة السماء.
إلتفت إلى يساره ،إلى الشمس ،إلى اﻷفق وألقى نظرة أخرى ملؤها الضيق على الوحوش الحجرية..
جلس على الصخرة التى كانت دوما تحتضن الموج المشاكس كاﻷم الصبور تحتضن طفلها العنيد.
أخذ يتأمل الجمجمة بين يديه وو مض عينيه يلح بتساؤلات عديدة حائرة
(ترى من كان يحملك وتحملينه..ما إسمه …دنياه..أحلامه..آماله…حبه …زوجته، أطفاله، كم عاش ؟!!!!!ولم مات ؟!!!!!!
أحس أنه يحمل بين يديه عالما …. عالما آخر غريبا عنه……
تصاعد فى عينيه ومض مجنون وأخذ يصرخ فى اﻷفق،
(ترى ما إسمه ؟!!! من يكون ؟!!!!! )
………………فجأة شعر بشئ يتحرك تحت يديه ………..لمح خيوطا زرقاء جمراء تتجمع ، تلتف ، تتشابك حتى كست الجمجمة كلها ………أحس من ألتفاف العضلات إن ملامح ذلك المجهول مألوفة لديه ، قريبة منه .
تحركت طبقة أخرى وأخرى ومع تكون كل طبقة ……. أيقن أن هذه الملامح تقترب رويدا رويدا من كائن رآه وعرفه فى حياته……..أين ومتى وكيف ؟…….ليس يدرى ………
ثم تحركت طبقة من الجلد البنى التى كست الطبقات السفلى فبهت …………كان وجهه ينبض أمامه.
همس بصوت مخنوق: من تكون ؟!!!!!
أأنت ……….أانا………كيف ……من ……. إنى ………أنت……..؟!!!!!
سمع صوتا يسرى من الشفتين الممتلئتين عميقا عمق الزمن: (بلى أنا وجهك)
صرخ قائلا :إذن كيف أتنفس ،أتحرك،أسير ، أرى ، أسمع …..كيف أحيا …….بالله أجبنى …….؟!!!!
همس الصوت “أنت ميت منذ أمد بعيد ……….منذ ولدت وئدت ،أنت تحيا يا رفيقى لتراقب لا لتعيش “.
هم بأن يتركها تسقط من بين يديه فى اليم وفى اللحظة ذاتها شرخت جدار الصمت صرخة مزقت اﻷفق..امسكوا القاتل
التعليقات مغلقة.