قهوة المساء : الأقدار بقلم داوود الأسطل
القدر هو علم الله الخفي الذي أخفاه عن كثيرٍ من خلقه لشيء يعلمه هو سبحانه بهدف ترويض عباده واختبار صبرهم ويقينهم ، وكل أقدار الله لعباده خير وإن كان ظاهره فيه الشر .
إن العلم الظاهر مقترن بالفرضيات والأسباب وخاضع للتجربة من حيث الصواب والخطأ ، فالإنسان في حالة مستمرة من الاكتشاف والاختراع والعلوم المتراكمة جيلاً بعد جيل .
وقد ذكر الله في كتابه الكريم ( القرآن ) قصة ذي القرنين ، وكيف أنه اتبع الأسباب لتحقيق الأهداف التي تعلقت بحياة الناس ومعيشتهم وحمايتهم من الأخطار المحدقة بهم .
وإذا ما تأملنا الأحداث في قصة موسى مع العبد الصالح لظهر جليَّاً لنا بأن أقدار الله التي أخفاها عن كثير من خلقه تتمثل في ثلاثة أشكال :
١- ظاهره شر وتراه شراً ثم تكتشف خيره الذي أُخفي عنك .
٢- ظاهره شر وتراه شراً وحقيقته خيرٌ أُخفي عنك تماماً .
٣- قدرٌ أُخفي عنك فلا تعلم ظاهره ولا تعلم حقيقته وتحسبه صدفة وهو في حقيقة الأمر قدرٌ لك بعملِ خيرٍ فعله غيرك أو ثمرة عملك الصالح الذي فعلته .
ولنتأمل سوياً في الأحداث التي دارت في قصة موسى عليه السلام والعبد الصالح الذي اختصه الله سبحانه بصفتين مهمتين : الرحمة والعلم الخفي ، فتصور معي حالة الخوف والرعب الذي تملك موسى عليه السلام وأصحاب السفينة وركابها خشية الغرق وخشية فقدان السفينة التي هي مصدر رزقهم الوحيد ، خوف ورعب وهلع وصراخ ومن ناحية اخرى لوم واتهام وفقدان للسيطرة ، تصور كل ذلك يحدث في عرض البحر وسط كل المخاطر المحيطة المرتبطة بالمكان والزمان والإمكانيات المتاحة ، فظاهر الأمر شر ، وكل من كان على ظهر السفينة باستثناء العبد الصالح يرون الأمر شراً ، وعندما يعلمون ما كان يحدث ، يدركون أنه لولا تعطل السفينة لتمت مصادرتها ،فيحمدون الله .
وتصور معي حجم الكارثة والألم والحزن والبكاء الشديد والحرقة على مقتل الغلام ، كل الأسرة متألمة والجيران والأقرباء والأصدقاء ، حالة من الحزن الشديد خيَّم على المكان ، إعلان حالة الطواريء القصوى ، استنكار شديد اللهجة ، القتيل في المكان والقاتل مجهول ، وسبب القتل غير معلوم ، كلها أمور تزيد من حجم الفاجعة حتى أنها أنستهم الفرحة بالمولود الذي وُلِد بعد الغلام القتيل ، فظاهر الامر شر ظاهر ، ومن يراه يحسبه شراً مؤكدً ومنكراً ، وحقيقته خيرٌ أُخفي عن الجميع ، ولا حاجة لمعرفتهم للحقيقة ، لأنها حقيقة غيبية غير ملموسة لن يصدقوها من هول الحدث .
والثالثة استفاق أصحابها على كنزٍ دفينٍ لا يعلمون كيف تمَّ الحفاظ عليه ، ولا يعلمون ماذا فعلوا ليستحقوا ذلك أو ماذا فعل غيرهم من ذويهم ليكون لهم هذا الخير الخفي الذي لا يعلمون سببه .
لذلك وَطِّن نفسك واصبر على ما أصابك واحتسب الأجر من الله وانتظر الجائزة إما في الدنيا أو مدخرة لك في الآخرة ، وكن على يقين بأن أقدار الله ليست صدفاً وإنما هي خيرٌ لك لا يعلمه إلا الله .
داوود الأسطل
فلسطين – غزة
3/6/2022
التعليقات مغلقة.