قهوة المساء : الاستراتيجيات الوطنية للحكم الرشيد
بقلم الأستاذ داوود الاسطل
بين يدي المقالة :
- عشر استراتيجيات لأرباب الحكم والسياسة
- قواعد لإدارة اللعبة بطريقة تخالف مخططات الأعداء .
إن العالم المتطور والمتحضر يعمل ليل نهار ليسود العالم ويتحكم في موارد البشرية من خلال مجموعة من القواعد والاستراتيجيات بذكاء ودهاء بالٍغَين ، وقد لجأوا الى حِيَلٍ متعددة لإذلال العالم وسحق الشعوب واستخدموا لتحقيق تلك الاستراتيجيات الكثير من الأنظمة في دول العالم الثالث الذي أغرقوه في الجهل والتبعية ، ولعل من أكثر ما لفت انتباهي مقالة في اواخر القرن الماضي كتبها العالم والمفكر الأمريكي نعوم تشومسكي بعنوان ” استراتيجيات التحكم والتوجيه العشر ” وهي استرتيجبات تشبه الى حد كبير برتوكولات بني صهيون ، ومن المثير أن دوائر النفوذ في العالم اعتمدت تلك المقالة والاستراتيجيات التي طُرحت فيها ، ولم يتم تجاهلها مثلما يحصل عندنا في العالم الثالث التي تُطمس فيه هوية المثقفين والمفكرين .
إنني في هذه المقال سأتحدث عن عشر استراتيجيات وطنية للحكم الرشيد ، من وجهة نظري الخاصة ، لعل تلك المقالة يأخذ بها أرباب السياسة والحكم فتنفعهم وتنفع شعوبهم .
الاستراتيجيات الوطنية العشر للحكم الرشيد :
1- استراتيجية الحَث والجد والعمل .
2- استراتيجية الأمن والأمان الشخصي والوظيفي
3- استراتيجية التطوير المجتمعي والتنمية .
4- استراتيجية حد السيف .
5- استراتيجية المخاطبة والنقد البناء .
6- استراتيجية احكام العقل والتحليل المنطقي
7- استراتيجية تطوير المناهج العلمية .
8- استراتيجية الطموح .
9- استراتيجية الثقة والاعتداد بالنفس .
10 – استراتيجية التحكم الذاتي .
وساتطرق الى شرح كل استراتيجية على حِدَه ، لعل الفائدة تعم ولعلي أجد آذان صاغية وعقول واعية وان أزيل بعض الأقفال عن القلوب .
أولاً : استراتيجية الحَث والجد والعمل
تعتمد هذه الاستراتيجية على العمل الجاد والدؤوب والتوعية المستمرة للجمهور واطلاق العنان للفكر والابداع والصدق مع الجماهير في كل المعلومات التي تلزمه أو يتوجب عليه معرفتها ليتعزز عند الجمهور الانتماء الوطني ، ذلك لأن أعداؤنا يعتمدون سياسة الإلهاء ، ويستخدمون الوسائل الاعلامية لتضيل الرأي العام وإلهاء الجماهير عن القضايا الهامة والمفصلية ، وما أكثر تلك الملهيات التي بين أيدينا ومن أمامنا ومن خلفنا ، التي لم تُبقى لنا وقتا للتفكير وكأننا نعيش فقط لنأكل ونشرب كما الأنعام .
ثانياً : استراتبجية الأمن والأمان الشخصي و الوظيفي
إن من أهم أوليات الشعوب هو تحقيق الأمن الشخصي والأمن المعيشي.
قال تعالى :
( فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ (4) ) قريش
كلما ازداد الاستقرار زاد الاستثمارر ، وكلما انتشر الفلتان زادت الجريمة وهرب المستثمرون وحلَّ الخراب والدمار وانتُزعت البركة ، وان الشواهد القريبة التي تجلت بالربيع العربي وما شاهدناه من هدر للمال العام والتخبط والقتل والتشريد ، ألا يعطينا ذلك مؤشرا على أننا نُدار بأيدٍ خفية خبيثة ، وفوق ذلك بخرج الينا العالم ليبحثوا سبل الحل فيقتاتون على مواردنا ويستبيحون نساءنا بحجة مساعدتنا .
ثالثاً : استراتيجية التطوير المجتمعي والتنمية
الدولة كالكرة الثلجية كلما تحركت كبرت ، بشكل تدريجي فإن كانت أسسها متينة ومبنية على مجتمع قوي ومتماسك واقتصاد يعتمد على الاكتفاء الذاتي وسواعد أبنائه الذين يديرون خططه التنموية التي تنفعهم وتنفع شعبهم .
ان اعداءنا يريدون لنا اقتصادا هشا تابعا ليبقى الشعب تائها راكعا ذليلا ، والحال السائد يُغني عن الشرح .
رابعا : استراتيجية حد السيف
الوقت كالسيف ان لم تقطعه ، قطعك ، والوقت ثمينٌ جداً ، فكل ثانية تذهب لن تعود أبدا ، وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على اتقان العمل والمداومة عليه ،
فقد روى الامام البيهقي عن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها انها قالت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ ) .
ومن الملاحظ أن السياسة المتبعة في انظمتنا الحاكمة هي سياسة التأجيل والتسويف وتأميل الناس بمستقبل أفضل ، معطيات ومدخلات هذا المستقبل هو الظلام الدامس الذي نحياه والفقر والبطالة والجهل والنوم في سبات عميق ، فكيف يكون مستقبل ذلك ، بل ان أعداءنا روجوا لتلك الدعاية البلهاء فأصبح الكثير من الزعماء يُأملون الناس فتسمع جعجعة ولا ترى طحينا ، انها لغة السذجاء ، فليكن سيفنا حاداً ولنشمر عن سواعدنا وليكن شعارنا :
(وَقُلِ ٱعْمَلُواْ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُۥ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ۖ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) التوبة 105
خامساً : استراتيجية المخاطبة والنقد البناء
إن الأساس في التأثير الجماهيري هو فن الخطابة ، وعلى قدر المخاطبين يكون الخطاب ويقدر الخطيب بخطابه ، وقد ابتلانا الله بماكنة اعلامية ترفع الوضيع وتضع الرفيع ، تتهتم بالفسافس والقشور وتدع القضايا الكبرى والمهمة ، للاسف أراد لنا أعداؤنا أن يكون خطابنا ركيكا ضعيفا ، وكأنما موجهٌ لأطفالٍ دون العاشرة بهدف التضليل وبث الأكاذيب ومصادرة العقول ، دونما الأخذ بأي انتقاد بناء ، وكأننا شعوب مختلة عقليا ، ما أحوجنا اليوم الى ان يكون خطابنا قويا عقلانيا مؤثرا ، ولنتمتع بالحس النقدي الذي هو واجب أخلاقي لتقويم الاعوجاج ،
قال تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) الأحزاب 90
سادسا : استراتيجية إحكام العقل والتحليل المنطقي .
إن الإنسان بطبيعته البشرية عاطفي ، فالعاطفة عند معظم الناس تتغلب على العقل ، وهذا أمر طبيعي اذا لم يتم استغلاله وشيطنته ، ولكن على القادة ان يوازنوا بين العاطفة والعقل فترجح عندهم كفة العقل ويعتمدون على التحليل المنطقي للأمور وليس كما يراها عموم الناس بعاطفتهم ، ومن هنا كان مدخلا شيطانيا لاستخدام مختلف الوسائل للتأثير على عاطفة الشعوب ، ومنها خرج ما يسمى ب ( الفوضى الخلاقة )
والتي هي في حقيقة الأمر هدامة ، هدمت الشعوب وهدمت الاوطان .
ولعل اكثر التركيز ينصب على العادات والتقاليد والأديان لتحويل الناس واستغلالهم من حالة الوعي والفطنة الى حالة العبثية واللاوعي وعدم التفكير وفقدان التركيز وعدم التفكير .
سابعا : استراتيجية تطوير المناهج العلمية
ان ما يقود العالم اليوم هو العلم المتقدم والتكنولوجيا الحديثة والعقول النيرة التي تعتمد على الكم الهائل من المعلومات ، حتى أضحى العالم بأسره كرة صغيرة تحمله بين يديك ، كل هذا التطور الهائل يحتاج الى عقول تستوعبه جيدا ، وبالتالي مناهج تعليمية تحاكيه ، وليس الى حقائب تمتليء أحمالا على ظهور الاطفال .
اذن فنحن نحتاج الى استراتيجية تعليمية نوعية ومدارس مؤهلة ومعلمين مؤهلين ليعدوا جيلا يواكب تطورات العصر وتحدياته .
لقد اعتمد الغرب سياسة الغزو الثقافي والفكري لبلادنا كي تُبقي على الفجوة الهائلة بيننا وبينهم ليحافظوا على كينونتهم السيادية وكينونتنا العبودية التي تعتمد على شراء التكنولوجيا وليس استحداثها .
قال تعالى : ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) المجادلة 11
ثامناً : استراتيجية الطموح
كن عالِ الهمَّة ولا ترضَ بغير القمة
فالقاعدة الأساسية أن تنظر الى القمة وان تكون متعلما مثقفا منتجا فاعلا معطاءً وليس مبتذلا وضيعا .
انهم يردون منا الرضا بما يقدموه لنا من فتات علمي او فتات معيشي ، يريدون منا انحطاطا اخلاقيا وخلقيا ، يخفون عنا الفضائل ويروجون لنا الرذائل ، يستخدمون الامكانات للنفع ويتيحونها لنا لنعرض عليها أجسادنا وعوراتنا ، يكتسبون المليارات ونحن نبحث في التكنولوجيا عن المليمات ، يخترقون ذواتنا ونحن في غفلة عامهون .
تاسعا : استراتيجية الثقة والاعتداد بالنفس
الثقة هي أساس النجاح وأهمها الثقة بالنفس والاعتداد بها ، وليس كل فشل يشكل صخرة صمَّاء في حياة الانسان تتحطم عليها آماله وطموحه ، فإن مع كل ذنب توبة ، وبعد كل تعثر و سقوط ، قيام وصعود .
انهم يوهموننا بانهم الأكثر ذكاءً ودهاءً ونحن نعيد خلفهم بأننا فشلة ، تعساء ، ضعفاء ، جبناء ، كيف نسمح لهم بذلك ؟
الا نستطيع النهوض ، ألا نثور على الظلم ، ألا نقتل الخوف الذي في صدورنا ، ألا نخرج من عباءة الذنب !
اننا نستطيع أن نكون دوما في حالة نشاط وحيوية وفاعلية ، لا تنقصنا الا الثقة بأنفسنا والارادة الصادقة .
عاشرا : استراتيجية التحكم الذاتي
تحتاج هذه الاستراتيجية الى معرفة الذات وتطويرها ومن ثم استثمارها حتى لا يتحكم أحدٌ في ذواتنا ولا نكون أضحوكة لغيرنا .
فلسطين – غزة
20/11/2021
التعليقات مغلقة.