قهوة المساء : الحب بقلم / داوود الأسطل
الحب هو التعلق الوجداني بالقلب والعقل والإستسلام بالجوارح والعواطف والإستكانة برضى تام للمحبوب .
فالحب مشاعر طبيعية للنفس المتصالحة مع ذاتها ومع محيطها ، يجعل صاحبه مبتهجاً ، مغتبطاً ، سعيداً سعادة غامرة ، أو متألمٌ ألماً حقيقياً خوفاً على المحبوب .
إن أعلى مراتب الحب هو حب الله ورسوله وحب من يحبهم وحب الأعمال التي تقرب الى حبهم .
الحب ليس مجرد كلمة ، انما الحب سلوك مرتبط بأقدار الناس ، لا يتحقق بالصدف وإنما هو حبل الأمل المرجو من العلاقات الإنسانية ، تسمو نفوسنا به وترتقي .
إن العلاقات الإنسانية التي تجمع بين الناس هي البيئة التي ينشأ فيها التواصل ، فيتقارب الناس بعضهم ببعض ، فمنهم من يتآلف ومنهم من يتعارض ، وفي جو التآلف ينمو الحب ويزدهر ، فالحب أصله تقاربٌ وجودي وفكري ، رسله العيون والألسن والسلوكيات .
إن الإنسان في تكوينه الترابي والمائي مزيجاً من العواطف والأحاسيس والمشاعر ، مَثَلُهُ كمثل الأرض التي نبت منها ، اذا ما أُنزِل عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوجٍ بهيج ، فالحب هو الماء والهواء التي تمتزج بهما أنفسنا وأرواحنا ، فلا نترك أنفسنا بلا حب ضحلى ، كالأرض العطشى الجرداء ، حتى لا تصاب أنفسنا بالقحط والجفاف فتنعدم فائدتنا الإنسانية .
والقاعدة الأساسية في الحب هو الامل ، لأن كل إنسان هو أملٌ لغيره سواءٌ علم ذلك أم لم يعلمه ، أظهره القدر أم لم يظهره ، وكل أعمال الخير فيه أمل متجدد ينبعث منه الحب المتبادل بين الناس .
إن الله سبحانه وتعالى ضرب لنا أروع الأمثلة كنماذج لمن يحبهم ويحب صنيعهم :
قال تعالى :
( …، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) 222 البقرة
وقال تعالى :
( … ، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) المائدة 42
وقال تعالى :
( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) آل عمران 159
وقال تعالى :
( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين ) آل عمران 134
وقال تعالى :
( … ، وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ) عمران 146
وقال تعالى :
( بَلَىٰ مَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ وَاتَّقَىٰ فَإِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) آل عمران 76
وقد تجلت روعة الجزاء من الله سبحانه مقابل الحب ، في الحديث القدسي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال :
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله تعالى قال من عادى لي وليا ، فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، ولئن سألني لأعطيته ولئن استعاذني لأعذته ) .
ومن المؤكد أن الحب هو غراس العمل وله أساسيات أذكر منها :
- الصدق والأمانة .
- المعاملة الحسنة .
- الأخلاق الحميدة .
- الإبتسامة الدائمة .
- المبادرة ورد الجميل .
- التوازن في المواقف .
- الرضا والوفاء .
- التبادل في الحب والعاطفة .
ومن صور الحب التي تُنميه وتُقويه :
أولاً : اللين وخفض الجناح
فاللين هو التوازن العاطفي والسلوكي بين الشِّدَّةِ والرحمة .
وخفض الجناح ، بالإستماع إلى هموم الناس ومشاركتهم أفراحهم وأتراحهم والعطف على الضعفاء والإهتمام بمناقب الناس ومنازلهم .
قال تعالى :
( لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) الحجر 88
وأيضا خفض الجناح للمحيط الأسري من الآباء والأبناء ، والزوجة والأقارب والجيران والزملاء .
قال تعالى :
( وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا ) الاسراء 24
ثانياً : التغافل وجبر الخواطر
من صور الحب الرائعة مغفرة الزلات والتغافل عن بعض الأخطاء والسلوكيات وخاصة بين الأزواج أو الجيران أو الزملاء وكذلك التعامل بطيب النفس وسعة الصدر مع المخطئين .
قال تعالى :
(.. وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) آل عمران 134
ثالثاً : من صور الحب الكلمة الطيبة والإبتسامة في وجه أخيك والصنيع الحسن والإصغاء الجيد .
رابعاً : السلام
الحب يعني السلام ، والسلام يعني الأمن المجتمعي المتمثل بالرضى السلوكي من حيث الشعور بالأمن والأمان والمساواة والعيش بكرامة .
خامساً : افشاء الحب
من صور افشاء الحب التعاون والتزاور والتوادد والتراحم والاحترام المتبادل والعفو والصفح الجميل وإطعام الطعام وإنصاف المظلوم .
خلاصة القول :
الحب هو الإحساس الصادق الذي يهذب النفس ويداوي جراحها ويمنحها الفرح والبهجة والسعادة والطمأنينة والأمان والسلام والإيثار .
التعليقات مغلقة.