قهوة المساء : الحرب بقلم الأستاذ داوود الاسطل
الحرب هو قتال يدور بين طرفين ، كلٌ منهما يهدف إلى هزيمة الآخر دون إنهاء ، لأنه لو كان بمقدوره إنهائه لما دارت الحرب بالأصل ، فالحرب تكون بين فئتين إحداهما باغية بالتأكيد .
إن الحرب بين الفلسطينيين والإسرائيليين هي سجال ، أي مستمرة بينهما دونما انتصار طرف أو هزيمة آخر ، وهي أشبه بحروب الاستنزاف ، وترافقها كل الأدوات المتاحة ، العـسـكرية والإعلامية واللوجستية وغيرها ، وغالباً ما تكون تلك الحروب ، حروباً خاطفة وسريعة ومركزة وصاعقة ومدمرة ، تلحق الأضرار الهائلة والتدمير المهول عند الطرف الأضعف .
وبطبيعة الحال فالفلسطينيون هم الطرف الأضعف من حيث التسليح والإعداد وإدارة صندوق الحرب المتمثلة في جمع الاموال لتمويلها .
نحن نعيش اليوم في ظل تحريض واضح وسلوكيات استفزازية لجرنا إلى المربع الأضعف وهو مربع الحرب من حيث الجغرافيا المنعزلة ، لتنتقل المواجهة من داخل الكيان الإسرائيلي كمـقـاومة شعبية إلى غزة المحاصرة كحرب عسكرية مدمرة .
وهنا لابد أن نقف ونفكر جيداً :
لماذا تريد إسرائيل حرف البوصلة وإشعال فتيل حرب مضمونة النتائج بالنسبة لها ؟
أولاً : غليان المدن الإسرائيلية
في الآونة الأخيرة وقبيل شهر رمضان المبارك اشتعلت المدن الإسرائيلية وانتقلت المواجهة إلى داخل الكيان ، الأمر الذي جعل القيادة العـسـكرية والسياسية الإسرائيلية في حيص بيص ، وجعلت الحكومة الإسرائيلية في مهب الريح ولا زالت والآن يحتاج الساسة إلى مادة جزلة لخوض معركة الإنتحابات القادمة .
ثانياً : استنزاف الـمـقـ.ـاومة الفلسطينية
وهنا لا أقصد استهداف القدرة على إرسال الرشقات الصاروخية واستنزاف المخزون الرئيسي من صـ،ـواريخ الـمـقـ.ـاومة ، وإنما أقصد رغبة إسرائيل في النيل من العزيمة الفلسطينية بالاستمرار في المواجهة الميدانية داخل الكيان ، وبالتالي نقلها إلى غزة وقتل أطفالها ونسائها وشيوخها وهدم بيوتها وشوارعها ، الأمر الذي تجيد إخراجه إسرائيل بشكل جيد بحجة حماية أبناء شعبها من فعل صـ،ـواريخ الـمـقـ.ـاومة الفلسطينية .
ثالثاً : اختبار حالة الإصطفاف الدولي وتمويل صندوق الحرب والحاضنة السياسية .
الوضع العـسـكري بين روسيا وأوكرانيا محتدم على أوجه ، وقد انقسم العالم إلى فسطاطين ، ولكن دونما الإعلان عن ذلك رسمياً ، وبطبيعة الحال سيؤثر ذلك على منطقة الشرق الأوسط التي تجثم إسرائيل على صدرها ، وبعد سلسلة حلقات التطبيع الأخيرة مع بعض دول الجوار العربي ، لابد من اختبار الدعم الروسي لدول المحور والذي سيتم من خلال ايران وأدواتها في المنطقة من ناحية ، ومن ناحية أخرى المصالح المشتركة مع الكيان والتغيير الجيوسياسي المتوقع في المنطقة .
رابعاً : إشعال نار الفتنة
إسرائيل تهدف إلى البقاء على حال الإنقــسـ.ـام الفلسطيني بين كبرى الفصائل الفلسطينية ، فتح وحـمـاس ، وتغذي هذا الإنقــسـ.ـام بالماكنة الإعلامية وتعزيز النعرات الحزبية ، الذي يهدف إلى استفزاز الأطراف ومن ثم ابتزازهم ، بهدف إنهاك المجتمع الفلسطيني وبث روح الهزيمة في داخله بسبب التراشق الكلامي والسلوكي بين قادته التي أصابته بالوهن والضعف والهلع وهذا بالطبع يفيدهم ويكسر شوكتنا ، كوننا نمثل رأس الحربة في إدارة الصراع .
ومن خلال ما تقدم ، ينتج السؤال الرئيسي ، مَنِ الخاسر في تلك الحرب ؟
ومن على منصتي هذه أقول بأن الخاسر الوحيد هم أبناء الشعب الفلسطيني في غزة .
لذا يجب إعادة قراءة المشهد بشكل جيد بعيداً عن العنتريات التي لن تجلب لنا إلا الوبال والدمار والخراب ، فإن رائحة الموت تفوح في كل مكان .
ولا أقصد بكلامي هذا أن نتخلى عن مقدساتنا ومـقـاومتنا ، وإنما أقصد أننا لسنا جاهزين لحرب عسكرية طاحنة ، ولكننا جاهزون ومستعـ.ـدون لإدارة مـقـاومة شعبية داخل الكيان وفي وسط مدنه بكل الوسائل المجربة وغير المجربة التي تؤلم إسرائيل وتُنزِف كبدها وتمرغ أنفها في التراب .
فلسطين – غزة
5/5/2022
التعليقات مغلقة.