قهوة المساء ( ريان .. رسالة للإنسانية ) بقلم الأستاذ داوود الاسطل
لقد ترك الطفل المغربي ريان الحوثاني خلفة جبالاً من الألم وحُفراً عميقة تُخبرنا عن المأساة التي يحياها ملايين الأطفال ، يخبرنا عن براءة الذين لقوا حتفهم في حروب ليسوا طرفاً فيها ، يخبرنا أننا لا زلنا على قيد الحياة وأن ما يجمعنا هو انسانيتنا ، وما يفرقنا إلا عفونة عقولنا وضيق صدورنا وبعدنا عن الله ، يخبرنا عن العفوية واللامبالاة التي تحياها مجتمعاتنا ومدننا وقرانا .
إن لموت الطفل ريان رسائل وعبر لعل أهمها :
أولاً : قراءة لمشهد القتل
الموت نتيجة وأسبابه متعدده ، فحكاية ريان يحياها ملايين الأطفال يومياً ، تشريداً وتقتيلاً واهمالاً .
الأطفال الفلسطينيون يتعرضون للقتل والفقر بفعل الاحتلال الإسرائيلي .
الأطفال السوريون يقتلون بفعل المليشيات المتصارعة ويموتون تحت وطأة البرد في خيامهم .
الأطفال اليمنيون يقتلون بسبب حرب دائرة بين المسلمين بعضهم ببعض بل بين اليمنيين بعضهم ببعض .
الأطفال العراقيون يقتلون بسبب الاختلافات الطائفية .
الأطفال في بورما يقتلون لأنهم مسلمون .
الأطفال في الدول النامية يموتون لأنهم مرضى وجوعى .
الاطفال تُنتهك حقوقهم ويُستغلون جنسيا ويطاردهم شبح اليُتم أو دور الأيتام أو يُلقَوا على قارعة الطرقات أو في الحاويات وكأنهم قاذورات .
ثانياً : الإستهتار بحياة الناس
الكثيرون من الناس لا يهمهم نتائج أعمالهم وآثارها على البيئة المحيطة بهم ، فيحفرون الحفر والآبار لغرض ما ، ولا يردمونها بعد قضاء حاجتها ولا يتخذون وسائل السلامة في الحسبان ، فمن المسؤول عن ذلك ؟
وأين المتابعة والرقابة الحكومية ؟
وهنا لا أقصد حكومة بعينها ، وانما التجاوزات عمت معظم الدول العربية والنامية ، وأكثر المتضررين جرَّاء الإهمال هم الأطفال .
ثالثاً : مدى الجهوزية الحكومية للتصدي للكوارث والحوادث .
إن حادثة ريان تجعلنا نقف ونفكر ، ماذا أعددنا لتستمر حياتنا بأمان ؟
أين تذهب ذخائرنا المالية وبلاد العرب تعتبر المخزون الاستراتيجي للعالم بأسره ؟
هل نحتاج الى ترسانة عسكرية ومنصات صواريخ متطورة وبالستية وقنابل عنقودية ونووية لننقذ أطفالنا؟
هل شيدنا مستشفيات أو مدارس او حدائق تكفي حاجة اطفالنا ؟
هل قمنا بعمل بُنية تحتية آمنة ؟
رابعاً : دور الإعلام في تسليط الضوء على القضايا المختلفة ومدى تأثيره على العالم.
أثبت الإعلام أنه اذا سلَّط الضوء على قضية جعلها حديث الناس ومحط اهتمامهم ، فهل نحتاج الى كارثة إنسانية حتى يفيق اعلامنا ؟
أين الدور الريادي للإعلام كسلطة رابعة ؟
لماذا لم يسلط الإعلام الضوء على الآبار المحفورة بشكل غير قانوني ؟
لماذا لا ينتفض الإعلام في وجه الظلم أينما كان بحق الإنسانية وبحق الطفولة ؟
لماذا لا ينتقد الإعلام قلة المدارس والمستشفيات وسوء الطرقات وشح الحدائق العامة والشبكات الكهربائية المتهالكة ، وانعدام شبكات الصرف الصحي ، والمشكلة الحقيقية في ندرة المياة ومشاكل الملوحة والتصحر … الخ ؟
خامساً : التعلق بحبال الأمل
إن حادثة ريان ، ورغم الحكم المسبق بأن الطفل ريان لا يمكن أن يبقى على قيد الحياة ، لأنه سقط اثنان وثلاثون متراً في البئر ذو الفتحة الضيقة التي من المؤكد أنها هشمت أضلاعه وخنقت أنفاسه بسبب نقص الأكسجين ، الا ان الحادثة فتحت باب الأمل على مصراعيه في غدٍ أفضل نافذته الوحيدة هي المعجزة الإلهية، التي قد يهبها الله للبشرية بإنقاذ ريان ، وكأن لسان حال الناس يقول ليس لنا إلا الله نعقد أملنا به ، وليس ذلك انتقاصاً في ايماننا ، وانما للتذكير بأن الله استرعى الحكام والمسؤولين ليقفوا عند مسؤولياتهم ويحاسبوا عليها ( وقفوهم انهم مسؤولون )
فالأولى أن تقف الشعوب وتطالب بحقها في العيش بأمن وأمان في أوطانها وليس انتظار طاقة أملٍ قد لا يأتي بصمتها
سادساً : أننا أمة واحدة كمثل الجسد الواحد .
الجميع تأثر من الناحية الإنسانية والعاطفية ، ولكن لماذا لا نتعلم الدرس جيداً ، بأننا أمة واحدة وجسدٌ واحد ، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ؟
كنت أتوقع موقفاً عربياً رسمياً مسانداً لطواقم الإسناد المغربية ، وهنا أسجل تقديري واحترامي لكل من ساهم في الوصول الى الطفل ومحاولة انقاذ حياته ، ولكن لابد من الإشارة الى فقدان الخبرة وضعف في الأداء والإمكانات .
سابعاً : الإنسان مشاعر وأحاسيس .
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي على مدار خمسة أيام تضامنا مع الطفل ريان ، وراقب النشطاء كل التفاصيل الدقيقة سواء الصحيحة أو غير الصحيحة ، تلك المشاعر والأحاسيس للأسف الشديد عبارة عن هَبًّة لحظية تنتهي بانتهاء الحدث ، وليست دافعاً لنا بابتكار أدوات التغيير الحقيقي وكأن جُلَّ اهتمامنا فقط نقل الخبر أو التعليق عليه .
ثامناً : الحب من الله وأقداره غالبة .
نعم ، لقد أحببنا ريان ولم نلتقيه أبداً ، ذلك لأن ضمائرنا حية ولأنه لازال هناك معانٍ للإنسانية في عقولنا وقلوبنا ، وقدر الله غالب ونحن نؤمن بذلك ، ولكن يجب أن نصحو من غفلتنا وأن نُزيل الغشاوة عن أبصارنا ، فمن حق أبنائنا أن ينعموا بالأمن والأمان .
خلاصة القول ، إن الطفل ريان أصبح رمزاً حقيقياً لمعاني الإنسانية ، وهو أيضاً رمزاً لضحايا الإهمال ، ورمزاً للطفولة المؤودة ، ورمزاً لضحايا الحروب والصراعات ، ونافذة أملٍ لإنجازاتٍ قد ترى النور لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمع أو كانت عنده بصيرة .
داوود الأسطل
فلسطين – غزة
6/2/2022
التعليقات مغلقة.