قهوة المساء : صعود التافهين بقلم الأستاذ داوود الاسطل
منذ أن خلق الله آدم وجعله خليفته في الأرض ، ترأس آدم الأشياء كلها ، لأن الله سبحانه علمه كيفية قيادتها واستخدامها بدءً بتعليمة أسمائها .
وأول خلاف آدمي كان بين الأخوين أدَّى الى ارتكاب جريمة القتل الأولى ، وكان السبب الرئيسي هو الحسد ، ومن هنا بدأ الفساد في الظهور للعلن ، وأصبح الفساد يجد من يدافع عنه أو من يشق له طريقاً للصعود .
هابيل كان رجلاً صالحاً تقياً ، وأخيه كان فاسداً شريراً قاتلاً ، ولكي يصعد الفاسد كان لزوماً عليه سحق الصالح .
ومن هنا نستنتج أن الفساد يظهر ويعلو في كل وقت وحين وفي مختلف المجالات ، وآخر ذلك الظهور والعلو هو الانحدار ، لا محالة ، لكن ذلك الفساد يطول ويطول كثيرا ، وذلك بسبب تقاعس أصحاب الحق والصلاح وتخليهم عن الدفاع عن الحق وطريق الاستقامة ، فعيونهم بصيرة ولكن أيديهم قصيرة .
وهذا الأمر هو الشائع الآن ، فأكثر الظهور هو للفاسدين واكثر الصعود هو للتافهين ، وانظر من حولك لترى العجب العجاب ، وتذكر فقط التاريخ على مدار العقود الأربع الأخيرة ، لتستنتح بنفسك تلك الحقيقة التي لا نحب أن نقرها في داخلنا .
وما أكثر الأمثلة الحيَّة وفي كل المجالات ، كنا نسمع عن أبطال وبطولات ، ونصر وفتوحات ، واليوم نرى مليشيات وأجندات .
كان الفن يؤثر فينا ، والسينما والمسرح لهما دور ثقافي واجتماعي وسياسي ، والتلفزيون نلتف حوله لنتعلم ولنتسلى ولنعرف الاخبار والانباء ، اليوم غَزَتنا الفضائيات حتى لم نعد نثق بأيٍ منها ، وأصبح الفن سلعة رخيصة والصورة تتحدث عن واقعٍ بئيس .
كان المسؤول له هيبة والناظر له هيبة والطبيب له هيبة والمعلم والمهندس والضابط ، لأنهم كانوا قلة ولم يصبحوا أصحاب قاماتٍ او مقاماتٍ إلا بشق الأنفس ، أما اليوم فتحت جامعاتنا أبوابها على مصراعيها ، فكثر الاطباء والمعلمين والمهندسين والمحامين والضباط حتى اضحى المجتمع كله على مستوى واحد بسبب البطالة التي لم تفرق بين متعلم وجاهل ، فتجد شاباً حاصل على درجة الماجستير في الإدارة يعمل عاملاً في احدى الورشات او البساتين بأجرة تصل الى أقل من نصف أجرة عامل ذو اختصاص .
نعم ، لقد صعد التافهون ، هؤلاء يسعون فقط لتلقي راتب وليس سعيهم لنيل منصب سيادي تقضى على أيديهم مصالح الناس ، بل قضوا بأيديهم على أحلام الناس .
اللهم إني صائم
داوود الاسطل
فلسطين – غزة
10/4/2022
التعليقات مغلقة.