قهوة المساء : قواعد السيطرة ( 11 ) بقلم الأستاذ داوود الاسطل
القاعدة الحادية عشر : الضرورات تحكم العالم
خلق الله الكون متكاملا ، مبنياً على التضاد في الأشياء او الاختلاف في الطبائع والمكونات ، فكل شيء يحتاج الى غيره ليبقى وينمو .
إن أول ضرورة لاستمرار الحياة هي التزاوج ، ولتكتمل الصورة في ضرورة ذلك ، جعل الله الذكر والأنثى في كل العوالم والأجناس ، ومن هنا بدأت الضرورة في الاجتماع والتعاون .
والضرورات تتحكم في السلوك الفردي والمجتمعي ، فإن الإنسان لا يطلب الطعام إلا إذا شعر بالجوع ولا يلجأ إلى الطبيب إلا اذا شعر بالمرض ولا يلجأ إلى الشرطي إلا إذا شعر بالخوف وهكذا ، فالناس لا يعملون ما لم تحركهم دوافعهم ، او دوافع الأشياء من حولهم .
والانسان الذي لا يجعل لنفسه ضرورة ، يجد نفسه مطرودا ، كمن اعتزل في كوخٍ وسط الغابة ، يتيح له ذاك الكوخ التحرك بحرية كاملة في كل الاتجاهات ، ولكنه لا يستطيع التحكم في شيء أو الإستفادة من شيء فمصيره الهلاك الحتمي .
الكثيرون من أصحاب المناصب العليا ، يضعون أنفسهم في مقام قضاء الحاجات ، فيتعلق الناس بهم ، ويعقدون الآمال عليهم ، ولكي يبقى هؤلاء أصحاب سطوة على الناس ، فهم يتلاعبون في ذلك ، فلا هو أصلح من شأن الناس ليعتمدوا على أنفسهم ولا تركهم جوعى ينقلبون عليه ، فهم دوما يعلقون الناس بالغد الأفضل والأمل القادم .
السيدة هاجر أم النبي اسماعيل عليه السلام هرولت سبع أشواط وهي تطارد السراب علها تجد ماءً ، ولكن الحقيقة الأكيدة كانت زمزم ، السعي مطلوب ولكن يجب تحكيم العقل ، وزمن المعجزات انتهى ، فالعمل والعلم هما اللذان يصنعان المجد والحضارات .
إن العالم بأسره تحكمه الضرورات ، لذا فهو بحاجة بعضه بعضا ليستوى ويكتمل ، لكن الأشرار والأنانيين يرون عكس ذلك ، فهم يعتقدون بأن التسلط على الناس بالخوف والقتل والتدمير هو ما يحافظ على هيبتهم وسطوتهم وزعامتهم ، وما أكثر تلك الصور البشعة في مجتمعاتنا !!
إن التحكم التام غالبا ما يكون مدمراً وعقيما ، وتبقى القاعدة الأساسية للكون هي الاعتماد المتبادل للوصول الى التكامل الحقيقي ، وتبقى الضرورات هي المتحكمة في العلاقات الإنسانية وغير الإنسانية من العوالم المختلفة .
داوود الأسطل
فلسطين – غزة
18/12/2021
التعليقات مغلقة.