قهوة المساء : قواعد السيطرة ( 16 ) بقلم الأستاذ داوود الاسطل
القاعدة السادسة عشر :
فَنُّ الحضور والغياب
الحضور هو ترسيخ الوجود المجتمعي اللافت للإنتباه بالقول والفعل .
أما الغياب هو الإنسحاب الممنهج الذي يَحُدُّ من ابتذال الحضور ، ليحميه من الذوبان أو انتقاص القَّدْرِّ وضياع الهيبة .
إن الغياب المبكر بعد حضور سريع يجعل الناس ينسون الفعل وفاعله ، لذا كان لزوما على الشخص الذي يبتغي السيطرة أن يُرَسِّخَ حضوره بشكلٍ قوي حتى يعتقد الناس أن وجوده بينهم ضروري لحل أزماتهم ، حتى اذا تمكن من ذلك تماما انسحب من المشهد وتوارى عن الأنظار ، بهدف البحث عنه بشغف وتَلَهُف .
إن الحضور المجتمعي له آدابه وعلومه وقواعده وقوانينه ، فخيره ما تجذر بالفعل وقَلَّ بالظهور ، فكلما زاد الظهور ابتُذلت المكانة وذهبت الهيبة ، لذا كان لزوما أن يحدث الاختفاء والغياب من حضور الأثر ، فالغياب يطفيء المشاعر البسيطة ولكنه يؤجج المشاعر الكبرى ، كما الريح ، تُطفيء شمعة ولكنها تذكي نيرانا تأكل الاخضر واليابس .
ولنا في الموت عبرة ، عندما يموت شخص ما ، يُحاط بهالة كبيرة من الاحترام والوقار لم تكن في حياته ، ويستشعر الناس ألم فقده والشوق لحضوره الذي لم يعد ممكناً .
وعليه فالغياب اذن حالة دراماتية يمكن تمثيلها بالموت دون الموت ، فكلما كان حضورا بعد غياب وكأنه بَعْثٌ من جديد .
ولنا ايضاً في الأسواق لعبرة ، فالسلعة النادرة ، قليلة العرض ، مرتفعة الثمن ، عكس السلعة المعروضة بكثرة وفي كل الأوقات .
إن الأشياء التي نفتقدها هي التي تؤثر فينا تأثيرا حقيقياً ، كأن تفقد زعيماً أو رئيساً او قُدوَةً او أباً أو أماً او أخاً او ابناً او عزيزا .
وأكثر ما يؤلم الناس هو فقدانهم للأمل ، وفقدانهم للعدل وشعورهم بالظلم واستبدال ذلك باليأس الذي يولد الكره والبغض والحسد والغيرة .
الحضور يعني أن تكون مطلبا للناس بامتنانٍ وحب .
والغياب يعني أن تكون ذكرى جميلة في حياة الناس يتمنون دوما لو أنك بينهم تخفف آلامهم وتعينهم على نوائب الدهر .
داوود الأسطل
فلسطين – غزة
1/1/2022
التعليقات مغلقة.