قهوة المساء : قواعد السيطرة ( 20 ) بقلم الأستاذ داوود الاسطل
القاعدة العشرون : الاستقلال
الاستقلال هو القدرة على التفرد بالقرارات دون الانصياع الى التدخلات الخارجية او الانجرار خلف المواقف العاطفية او الأطماع الشخصية .
إن الاحتفاظ بالاستقلال الشخصي هو الطريق الأمثل لقيادة الآخرين ونيل احترامهم وتقديرهم ، وعكس ذلك هو الانحياز على قاعدة الولاء لفكرةٍ ما أو لجماعةٍ ما ، تجبرك تلك الفكرة او الجماعة على تنفيذ ما يملونه عليك سواءٌ كان ذلك بقناعةٍ أو بالإلزام .
لقد كان النبي موسى عليه السلام رجلا قوياً غيورا ، عندما رأي رجلان يقتتلان انحاز الى الذي من شيعته وبِرَدَّةِ فعلٍ متسرعة قتل الرجل الآخر واستدرك أنه فِعلٌ خاطيء ، وكاد ان يقع فيه مرة أخرى لولا معرفته بخبر الملاحقة فكانت النتيجة الهروب خوفا من العقاب .
يحاول أصحاب السطوة استدراج الناس الى نزاعاتهم مع نظرائهم ، فيتحول الناس إلى فِرَقٍ متنازعة ، وهذا ما يحدث غالباً ، ولكن الناجي الوحيد من تلك النزاعات هو من جعل لنفسه موطئ قدم في ادارة الصراع وليس الخوض فيه ، حتى اذا ما أُنهِك القوم كان هو المنقذ .
إن مجرد الدخول في صراع ليس من اختيارك تفقد المبادرة فوراً وتكون طرفاً في الصراع وبالتالي يكون مصيرك مرتبطاً بنتائجه .
عندما تلقت الملكة بلقيس خطاب النبي سليمان عليه السلام ( كملك ) تعاملت مع الرسالة بمنتهى الحكمة والعقلانية وقد تدرجت في اظهار ردات الفعل لتحاول معرفة خصمها عن قُرب ، وقد نجحت في ذلك واستطاعت أن تجنب بلدها وشعبها ويلات الحروب والدمار ، وفوق ذلك نجت بنفسها من الضلال الإعتقادي وصولا الى نور الهداية .
إن كل معركة تتجنبها تزيدك قوة ، وكل معركة تخوضها ، لها ما لها وعليها ما عليها ، سواءٌ كنت منتصراً أو منهزما .
لقد كانت فكرة حفر الخندق حول المدينة في معركة الأحزاب ، فكرة رائعة وحكيمة أربكت حسابات العدو ، بل انني أستطيع القول بأن ذلك القرار هو عبارة عن صراع من نوع جديد ألا وهو صراع الأدمغة ، وبخبرة الصحابي سليمان الفارسي واستقلاليته الفكرية عما كان يدور في مجلس الشورى العسكري المنعقد آن ذاك استطاع أن يجنب المسلمين ويلات حرب مدمرة ، وكان امر الله حتماً مقضياً بهزيمة الأحزاب دونما اراقة الدماء فضلاً منه وتلطفاً بعباده .
ومن الجدير بالذكر ، أن يتحكم الشخص في انفعالاته وان يسيطر على نفسه وخصوصاً تلك الانفعالات المزاجية أو العاطفية .
يقول بالتسار جراتسيان :
( فلتعلم أن الشجاعة الحقيقية هي أن تتفادى خوض الصراعات لا أن تنتصر فيها ، وحين ترى أحمقاً يقحم نفسه في الصراع فابذل كل جهدك أن تنأى بنفسك حتى لا تضيف إليه أحمقاً آخر )
عندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم
- كقائد للمعركة – مجموعة الرماة ألا يغادروا أماكنهم مهما كانت النتائج كان ذلك لحكمة في ادارة المعركة العسكرية ولكن عندما انحاز الرماة الى عواطفهم ونزلوا عن الجبل لجمع الغنائم كانت الفاجعة وتحول مسار المعركة من نصرٍ مؤكد الى هزيمةٍ كبيرة .
خلاصة القول بأن توطين النفس والتحكم في الانفعالات العاطفية والمزاجية والسيطرة على النفس تعني الاستقلالية وهي طريق الانتصار الحقيقي ، وان الانحياز الأعمى هو طريق الهلاك .
داوود الأسطل
فلسطين – غزة
11/1/2022
التعليقات مغلقة.