قهوة المساء : قواعد السيطرة ” 23 ” القاعدة الثالثة والعشرون : “التركيز ” بقلم داوود الأسطل
التركيز هو الإنشغال في هدف معين ومحدد بعيداً عن تشتيت الجهد في كل الاتجاهات .
إن الانسان عندما يمتلك الطاقة الجسمية والذهنية والامكانات المناسبة للحركة والاجتهاد ، يظن أنه سيمتلك العالم وتبدأ أحلامه بالانطلاق وخياله يعانق عنان السماء ، وهنا عليه اتخاذ القرار المناسب ، فإما التركيز على هدف واحد أو أن يهدر طاقته ويشتت ذهنه في كل الاتجاهات وبالتالي يحصل التدمير الذاتي .
لقد حكم هتلر ألمانيا ، وتطلع الى قيادة العالم ، فهلك وهلكت قوته وأصبح العالم كله يحاربه ودفت ألمانيا كلها ثمن ذلك الحمق والشذوذ الفكري وفقدان السيطرة والتركيز .
واستطاع صدام حسين رحمه الله ان يحكم العراق ، وأن يجعل منه دولة قوية ، ولكنه فقد التركيز على هدف البناء والتطور وتشتت الى فرض النفوذ من خلال استخدام القوة المفرطة والعدوان على الكويت ، مما أتاح الفرصة لأعدائه التدخل في شئونه والنتيجة في النهاية كانت تدمير العراق .
قال تعالى :
( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنعا (104) الكهف
إن أفضل الاستراتيجيات هي الحفاظ على القوة في جميع الأوقات وخاصة الحاسمة منها وأهم ركائز الاستراتيجيات الناجحة هي الاعتماد على الجهد المُركَّز .
في بعض الأحيان نحتاج الى تكتيك يساعد في تطوير الخطط الاستراتيجية ، كما حدث في حروب الاستنزاف التي سبقت حرب أكتوبر ، حيث اعتمد الجيش المصري سياسة التشتيت وصرف الأنظار عن الخطة الاستراتيجية بحرب استنزافية تُبقي العدو الاسرائيلي في حالة دفاع عن النفس مستمرة ، وقد نجح ذلك التشتيت في زعزعة الخطة الاستراتيجية للعدو ، ونجح كتكتيك داعم للخطة الاستراتيجية للجيش المصري .
في أواخر الثمانينات من القرن الماضي انصبَّ جهد الفلسطينيون على مجابهة العدوان الاسرائيلي ، فاندلعت الانتفاضة المباركة وأمام التركيز على هدف واحد هو دحر المحتل وببناء الدولة ، فقد تحقق ذلك باتفاقية اوسلو والحكم الذاتي المعروف ب ( غزة أريحا اولا ) ، وبعد ذلك تشتت الجهد الفلسطيني وأصبحت الثورة خلف الظهور ، وتسابق الناس على المناصب والثروات ، وتركوا التركيز على هدفهم بالاستقلال وتحرير الأرض ، فتحولوا الى أحزاب وحركات وجماعات تتنافس على كعكة الحكم الصغيرة المحاطة بالأسلاك الشائكة من كل الاتجاهات ، وأصبح هدف فلسطين من البحر الى النهر خلف ظهورهم تماما .
التركيز مهم في حياتنا ، وبدونه يضيع الجهد وتُهدر الطاقات عبثاً .
قال تعالى :
( وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍۢ فَجَعَلْنَٰهُ هَبَآءً مَّنثُورًا ) الفرقان 23
داوود الأسطل
فلسطين – غزة
16/1/2022
التعليقات مغلقة.