قهوة المساء : قواعد السيطرة ” 29 ” التخطيط الحياتي بقلم داوود الأسطل فلسطين – غزة
يحتاج الإنسان الى التخطيط المستمر لشئون حياته ، فالتخطيط هو تنبؤ للمستقبل على قاعدة أن الأهداف تتحقق اذا سار الانسان نحوها بخطىً ثابتة ومدروسة ، ومما لا شك فيه أن الأقدار تُغيِّر في مسارات التخطيط ، لذا وجب على كل خطة أن تمتاز بالمرونة الكافية للتغيير في تكتيكاتها وليس تغييرا في أهدافها .
في هذا المقال أقصد التخطيط الحياتي قصير أو متوسط المدى الذي يهم الإنسان الطبيعي ، إذ أن عمره الزمني لا يتجاوز القرن ، ويمر جسده وعقله بمحطات رئيسية خمسة ، يُمثل كلٌ منها عقدين من الزمن :
المحطة الأولى : مرحلة الطفولة
وتعتبر هذه المحطة مرحلة يتم التخطيط فيها للإنسان من قبل والديه أو بتوجيهٍ منهما ، أو بتأثيرٍ من محيطه ، وتمثل العقد الأول والثاني من حياة الإنسان .
وهذه المرحلة مرحلة التدريب على التخطيط الحياتي المتمثل في الدراسة أو اللعب أو اختيار الأصدقاء .
المحطة الثانية : مرحلة الشباب
وتمثل العقد الثالث والرابع من حياة الانسان ، وهنا يجد الانسان نفسه في حالة تخطيطٍ حقيقية ، في مجالات مختلفة وفي آن واحد ، يخطط للمستقبل التعليمي والمهني والحياة الزوجية والأسرية ، وبناء منزل ، وامتلاك سيارة ، والتسابق على اثبات الهوية الشخصية والميول الشخصي ، وتمتاز بالميل نحو اللهو والاندفاع ، أو الشجاعة والمثابرة كتأسيس للمرحلة القادمة .
المرحلة الثالثة : مرحلة النضوج
وتتمثل تلك المرحلة في العقد الخامس والسادس ، وفيها ينضج الإنسان نضوجاً متكاملا مقروناً بالأهداف التي حددها لنفسه في مرحلة الشباب .
قال تعالى :
( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) الأحقاف 15
وهذه المرحلة تأخذ شكلين من التخطيط ، أحدهما يخص الشخص نفسه وتتمثل بالإدارة الكاملة لكافة شئونه، والاستقلالية في اتخاذ القرارات المناسبة .
والأخرى تخص أبناءه والمحيطين به ، إذ أنه يجد نفسه مسؤولا وراعيا وأن مساعيه وأهدافه مشتركة مع طموح المحيطين به .
وهذه المرحلة تسمو عليها أولى مظاهر صراع الأجيال في اختلاف الآراء واستخدام التحديثات التكنولوجية واختلاف الأذواق في المأكل والمشرب والملبس .. الخ
وهذه المرحلة تعتبر مرحلة التخطيط المتقدم الذي يسمو عليه الحسابات الدقيقة المحسوبة جيدا، وهي مرحلة جني الثمار في نضوجها الأول .
المرحلة الرابعة : مرحلة الكهولة
وتتمثل تلك المرحلة في العقد السابع والثامن ، اذ أن قوة الانسان تتراجع بشكل ملحوظ ولكن يسمو عليها الاتزان والحكمة ، وهي مرحلة الاستعداد للفناء ، فلا يعود الانسان يفكر في ترف الحياة كما كان من قبل وكثير من الناس ينصرف الى العبادة أو الانطواء وقلة الحركة ، ومنهم من يعيش مع أمراضه ومعاناته جرَّاء ضعف جسده وامتناعه عن تناول الكثير من المأكولات والمشروبات التي تساعد على الابتهاج والنشوة في الحياة العامة .
والأعمار بيد الله ، لكن معظم الناس يموتون في هذه المرحلة وتنتهي علاقتهم بالحياة ، إنها مرحلة المراقبة عن بعد ، إذ يرى الانسان نتائج مخططاته وثمار جهده ويشعر بالسعادة والابتهاج لذلك ، لكن قد يشعر بالضيق الشديد اذا ما تنكر الناس لجهده أو أهملوه .
ومن الجدير ذكره أن تلك المرحلة يندر فيها المؤثرون ، إذ أن المؤثرين يستطيعون الحفاظ على هيبتهم وقدرتهم على مخاطبة الناس والتأثير فيهم .
قال تعالى :
( .. وَيُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِى ٱلْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ ٱلصَّٰلِحِينَ ) آل عمران 46
المرحلة الخامسة : مرحلة الشيخوخة
وتتمثل في العقد التاسع والعاشر ، وهي المرحلة النهائية للجسد والعقل ، إذ أن الجسد يتهالك والعقل يتعطل والتأثر بمغريات الحياة تنعدم وتعود الذكريات لصاحبها لتُدمي قلبه او تُدمع عينه ، ومعظم الناس في هذه المرحلة لا يعرف أحفاده أو حتى أبناؤه وقد يكون فاقداً لمعظم أقرانه أو فاقدا لأفكاره وذاكرته .
وهذه المرحلة ينعدم فيها التخطيط نهائياً ، بل إن صاحبها لا يتمتع بانجازات تخطيطه في مراحله المنصرمة .
قال تعالي :
( وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّىٰكُمْ ۚ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَىْ لَا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍۢ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ) النحل 70
تلك هي المراحل العمرية للإنسان ، وإن أصحاب السيطرة تظهر عليهم علامات القوة والنفوذ منذ نعومة أظافرهم فهم يتميزون في كل مرحلة من مراحل حياتهم ، وهم في شُغُلٍ مستمر طيلة حياتهم .
قال تعالى :
( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ) الانشقاق 6
4/2/2022
التعليقات مغلقة.