قهوة المساء : قواعد السيطرة ( 5 ) بقلم الأستاذ داوود الاسطل
القاعدة الخامسة : السُّمعة
السمعة عماد السيادة ، وهي مجموعة المعايير والقيم التي يحتكم إليها المجتمع ، والسمعة الطيبة ترفع صاحبها ، والسمعة السيئة تُذِله وتُعَرِّضه للضربات المتتالية من كل جانب .
إن السمعة الطيبة تحدد مكانة الشخص في المجتمع وتعتبر مقياساً لتأثيره وهيبته ، لذا عندما طلب ملك مصر يوسف عليه السلام رفض مقابلته إلا بعد تبرئته ،
قال تعالى : ( وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ) يوسف 50 .
وكلما علا شأن الشخص كلما كانت سمعته مستهدفة ، والكثيرون من مشاهير العالم في شتى المجالات لهم خصوم كثيرة استخدموا وسائل متعددة لخدش سمعتهم ، واول ما يفكر الخصوم لتدمير شخص هو تدمير سمعته بين الناس وإثارة الشكوك حوله ، وهذا نهج تتبعه الكثير من الوسائل الاعلامية المختلفة التي تديرها أجهزة المخابرات .
وقد عمد الاحتلال على تشويه سمعة المناضلين أو بث الإشاعات الكاذبة عنهم ، أو اسقاط الناس في وحل الرذيلة ليخدموا أهدافهم الدنيئة ليكونوا عيونا لهم يبتزون شرفهم ووطنيتهم .
إن أول سلاح لتدمير سمعة شخص هو اثارة الشك في ماله او عرضه او وطنيته او دينه او سلوكه ، فيتحول هذا الشخص الى مدافع عن نفسه وعن سمعته ، فيبدأ الناس يثرثرون وتتحول الشكوك الى معتقدات مبنية على قاعدة أنه لا توجد نار بلا دخان .
وثاني سلاح لتدمير السمعة هو السخرية ، ويأتي ذلك في اطار احتقار عمل الغير ، أو اثارة الفتن من خلال السخرية بشخص يدعو الى فضيلة معينة ، فيشيعون بين الناس أنه يجب عليه هداية نفسه وأهله قبل توجيه النصح للناس وبالتالي ينالون من سمعته ويدمرونها .
السمعة ثروة عظيمة يجب المحافظة عليها واولى خطوات الحفاظ عليها وأهمها التحكم بالغضب وعدم الاستسلام له ، بل يجب الترفع والتعالي ، وعدم اللجوء الى التبرير او الدفاع عن النفس ، وانما بتوجيه السهام الى قاذفها ، وقد تعرض النبي صلى الله عليه وسلم وزوجته عائشة رضي الله عنها الى حملة تشويه كبيرة تمثلت في حادثة الإفك الشهيرة .
لقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع حادثة الإفك بحكمة بالغة ، ولم يرد على الافتراءات ، ليكون الرد قاسما فيما بعد لأصحاب الافتراءات وليكون درسا لنا لنتعلمه .
ولنأخذ من حادثة الإفك درساً عمليا لمعالجة تعرض السمعة للتشوية ولنتبع الخطوات التالية :
أولا : الاتزان والهدوء والتريث
قال تعالى :
( وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا ) المزمل 10
ثانيا : البدء بشن الهجوم المضاد
اي توجيه الاتهام المباشر للأشخاص مثيروا الفتنة وضرب سمعتهم وتشويه مقاصدهم .
قال تعالى : إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النور 11
ثالثا : تذكير الناس بصاحب السمعة الطيبة وفضائله
قال تعالى : ( لَّوْلَآ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَٰتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُواْ هَٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ ) النور 12
رابعا : التشكيك في الرواية من أصلها
اذ أن من أساليب دحض الأكاذيب اعادة ترتيب قواعد الشك ، ليعود الناس في تقييم الادعاء الأول ويقارونه بالادعاء المقابل ليحكموا بعقولهم على الحقائق الدامغة وليس بتلك المبنية على الشك .
قال تعالى :
( لَّوْلَا جَآءُو عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَآءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُواْ بِٱلشُّهَدَآءِ فَأُوْلَٰٓئِكَ عِندَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْكَٰذِبُونَ ) النور 13
خامسا : التهديد والوعيد
وذلك للحفاظ على الهيبة واستعادة السمعة وتقزيم المفتري وتحقيره وتعريته أمام الرأي العام ، بهدف عدم انتشار الشائعة وبترها وايصال رسالة قوية للمروجين ، وحض المجتمع لعدم التعاطي مع الشائعات .
قال تعالى :
( يَعِظُكُمُ ٱللَّهُ أَن تَعُودُواْ لِمِثْلِهِۦٓ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) النور 17
سادساً : العفو والصفح في الحق الخاص
وهذا يرجع بالرفعة للشخص المستهدف كونه اكبر من أن يعامل الإساءة بالإساءة فتظهر مكارمه وأخلاقه .
قال تعالى : ( وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور 22
سابعاً : احكام القانون في الحق العام
وهذا الاجراء يهدف الى التوازن المجتمعي ويضرب بيد فولاذية كل معتدٍ على الحق الخاص للحد من انتشار الشائعات واستهداف سمعة الناس .
قال تعالى :
( إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَٰتِ ٱلْغَٰفِلَٰتِ ٱلْمُؤْمِنَٰتِ لُعِنُواْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النور 23
فلسطين – غزة
5/12/2021
التعليقات مغلقة.