قهوة المساء ….. قيامة الشعب الفلسطيني
بقلم الأستاذ داوود الاسطل
الانتفاضة الأولى 1987 – 1994
السبع السمان – ذروة الثورة
التاريخ الفلسطيني حافل بالنضال ضد المحتل ، وعلى مر السنين انحنت جيوش عاتية أمام صلابة الشعب الفلسطيني ومقاتليه وأطفاله ونسائه وشيوخه .
بعد حرب لبنان و الخروج من بيروت في أغسطس 1982 توزعت القوات الفلسطينية على العديد من الدول العربية واتخذت القيادة الفلسطينية من تونس مقرا لها ، ويعتبر هذا تشتيتا للثورة الفلسطينية التي خاضت معارك ضارية ضد المحتل الاسرائيلي ومن قبله الاحتلال البريطاني ، وقد ضعف التأثير الفلسطيني على الصعيدين العربي والدولي وتراجع العمل النضالي الى حد كبير ، رغم ان التمثيل الفلسطيني ممثلا بمنظمة التحرير لا يزال معترفا به عربيا فقط ، الا أن أدائها كان ضعيفا جدا خصوصا في الخمسة سنوات التي تلت الخروج من بيروت ، وتحول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من المواجهة العسكرية الى العمل الأمني ، وانتشرت الكثير من الجاليات الفلسطينية في أصقاع الأرض بحثا عن العمل وتأمين مصادر العيش .
ولكن يتدخل الشعب الفلسطيني فجأة ليقول كلمته من على أرضه وتندلع الإنتفاضة المباركة في الثامن من كانون الأول ديسمبر 1987 – انتفاضة الحجارة – في كل ربوع الوطن من جنوبه حتى شماله ومن بحره حتى نهره ، بصدور عارية متسلحين بإيمانهم وارادتهم وحجارتهم المقدسة ، فأصبح الشعب الفلسطيني حاضناً لثورة حقيقية أرهقت المحتل داخليا وخارجيا .
لا اقول مجرد مواجهات او احتكاك يومي ، بل أقول لم يعرف العالم بأسره تكافلا اجتماعيا كما التكافل الذي حققه الشعب الفلسطيني فيما بينه ، فقد كان مجتمعا متماسكاً كالجسد الواحد ، رافضا للظلم ، انتفاضة شعبية عفوية بدأت من جباليا بقطاع غزة وانتشرت في كل مكان بفلسطين .
الانتفاضة تعيد ضخ الدماء الى شرايين الثورة وتنتقل من مرحلة العفوية الى مرحلة التنظيم ، حيث عملت كل التشكيلات كالبنيان المرصوص ، الشعب يقاوم ، المنظمة تقود وتدافع ، السجون تعلم وتنظم ، الحجارة هي سلاح الهجوم والدفاع في آنٍ واحد ، الأطفال ثائرون ، الشباب ثائرون ، الشيوخ ثائرون ، النساء ثائرات ، الجميع يشارك ، الارض تلتهب تحت أقدام الصهاينة ويتخبط قادتهم ، ويتمنون الأماني التي تتحطم على صخرة الصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني ، واسرائيل تمعن في القتل والإعتقال والاغتيال ، دون أي فائدة من ثني الفلسطينيين او ايقاف انتفاضتهم ، بل بالعكس فإن الانتفاضة المباركة أحيت الشعب من جديد ، واستطيع ان أقول انها القيامة ، قيامة الشعب الفلسطيني .
ان تلك المواجهة اليومية جعلت القيادة الفلسطينة تفكر في احداث نصر معنوي يرفع من همة المنتفضين ، فقد أعلن الشهيد ياسر عرفات في العام 1988 وثيقة الاستقلال من الجزائر ليبعث في نفوس الفلسطينيين الأمل ويحثهم على مواصلة النضال .
وعندها تيقنت اسرائيل أنه لا مناص لها الا فتح قنوات اتصال مع منظمة التحرير غير مباشرة مما تمخض عنه اتفاقية أوسلو وما تلاها من تأسيس السلطة الوطنية وعودة المقاتلين من الشتات الى غزة – أريحا اولا .
إن الإنتفاضة المباركة ، رغم قساوة أيامها وحلكة لياليها ، إلا أنها استطاعت ان تعيد القضية الفلسطينية الى الواجهة الدولية وبعثت الفلسطينيون من جديد ، كماردٍ صحا بعد نومٍ عميق .
الفلسطينيون ابان الانتفاضة كانوا يحكمون انفسهم بأنفسهم رغم وجود الادارة العسكرية الاسرائيلية ، فالوازع الوطني والديني والأخلاقي هو ما يحكم الناس ، وكذلك قيادة اللجان الشعبية والمطاردين وهم قلة من الناحية العددية .
الانتفاضة المباركة اسست لجيل مغاير في طريقة مواجهته للاحتلال عن الجيل السابق ، بل ان الانتفاضة اعطت نموذجا للعالم بأسره ، حيال التعبير عن الظلم بالطرق المؤثرة المدنية ، وأثبتت ان طرق الاحتجاج متعددة وان الحلول العسكرية لا تجلب الا الدمار والخراب .
الكثير من شعوب العالم ثارت في وجه الظلم بالطريقة الفلسطينية ، حيث اصبحت اطارات السيارات والمتاريس والحجارة والكتابة على الجدران ووضع اللثام بالكوفية الفلسطينية هي وسائلهم للتعبير عن غضبهم واحتجاجهم وتَخَفيهم .
الانتفاضة ، هي المقاومة الشعبية التي أذهلت العالم وأحرجت المحتل ورممت البيت الفلسطيني من بعد خراب ، فهل يحتاجها الفلسطينيون اليوم ليتغلبوا على الانقسام البغيض والوضع المعيشي المزري والظلم الواقع عليهم من الغريب والقريب .
إن الأحداث الدراماتيكية التي استمرت لقرابة السبع سنوات ألهبت مشاعر العرب والعجم ، وكان ذلك واضحا جلياً من خلال التضامن الرسمي والشعبي من الحكومات والشعوب العربية ، وغير العربية ، ولعل أكبر داعم دوما للقضية الفلسطينية هي مصر ، عبر تاريخها الطويل المدافع عن القضية الفلسطينية ، سواء على المستوى الشعبي أو الرسمي ، وهذا ليس بغريب على مصر وشعبها العظيم ، وقد كانت فلسطين دائما في عقل وضمير السياسة المصرية وقد تعدى الأمر ذلك ، حيث كانت الاذاعات الفلسطينية بالنكهة المصرية تبث من القاهرة لتفضح حقيقة الإجرام الاسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني من خلال صوت العرب وصوت فلسطين من القاهرة ، وكذلك التلفزيون المصري الذي كان ينقل الصورة للعالم ، والاعلام المقروء ، ولا ننسى الدور الرئيسي الذي قام به الفنانون المصريون في ابراز معاناة الشعب الفلسطيني وهمجية الاحتلال من خلال السينما والمسرح بالكثير من الأعمال الفنية التي يصعب حصرها في مقال ، ولا زالت مصر تواصل دورها الريادي في رأب الصدع الفلسطيني وادارة الحوار الوطني لانهاء الانقسام الداخلي ، والدور الطليعي في ابرام الصفقات مع المحتل لصالح الفلسطينيين ، وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني من خلال تقديم المعونات والمساعدات الانسانية او تسهيل وصول مساعدات للشعب الفلسطينية من خلال الدول الشقيقة أو الصديقة ، ومن خلال ادارة معبر رفح الذي يعتبر المتنفس الوحيد والنافذة الوحيدة لأهل غزة نحو العالم ، وقد اتضح الدور المهم الذي لعبه الأشقاء المصريين لوقف العدوان الأخير على قطاع غزة .
داوود الأسطل
فلسطين – غزة
8/12/2021
التعليقات مغلقة.