كاتب
بقلم أحمد فؤاد الهادي
علا الضجيج في صدره، لم يعد مجرد أصوات غاضبة ثائرة، بل أضحى زلزلات وتقلبات عشوائية مؤلمة. تَحَمَّل قَدْرَ استطاعته، قاوم الانكسار ورفض الاستسلام إلى أن فاق الألم في صدره أقصى طاقات احتماله. لا يدري ما الذي جعله يؤمن أن روحه قابعة في صدره، ولكنه وجد نفسه مؤمنا بذلك ومرتاحا لهذا الإيمان، واليوم تجمعت الآلام والأوجاع والمعاناة ورَوَثُ الصبر الذي تراكم طوال العمر آكِلَا شاربا في هذا الصدر الضَيِّق الرحب. ازدحم ميدان صدره بهؤلاء وشعر بهم يدقون صدره بأقدامهم، واخترقت أصوات هتافاتهم: ” حرية.. حرية” جدار جمجمته لتصل إلى قََوقََعَتْي أُذُنَيِه مباشرة. لم يكن عقله في حاجة إلى عينيه كي يقرأ تلك اللافتات التي حملتها المشاعر في ميدان الصدر: “أخرجنا من هنا”، “أطلقنا لتريح وتستريح”، “أليس لصبرك نهاية؟”، ” اصبر وحدك فقد مللنا”.
استشعر الخطر فاستدعى قوات الحب والحنان من قلبه، وسكب منها الكثير على تلك الحشود، وكأنه سكب عليها وقودا، فتساقط الحب والحنان تحت الأقدام، وازدادت الثورة ثورة، وبكى قلبه حزنا عندما أدرك أن الحب والحنان لم يعدا قادرين على إطفاء نيران الحزن والضجر.
تأكد أن صبره الطويل قد أصبح يأسا، وماذا يكون اليأس سوى أنه صبر بلا نهاية، شعر أنه حبيس مصيدة العمر، واكتشف أنه هالك لامحالة. استل قلمه من حذائه، واتخذ من ورقة بيضاء ساحة للقتال، أطل عقله خلال ثُقْبَي عينيه، وبدأ يُمْلى عليه كلاما لم يسبق له أن كتبه، اندفع قلبه إلى لسانه معترضا ومحاولا أن يُمْلِيه كما تعود دائما، زجره العقل وأعاده حزينا إلى مكانه.
بعد ساعات طوال، تنهد العقل وارتمى مسترخيا مستريحا بعد أن أخرج ماعنده على عشرات الأوراق، هدأت الثورة في صدره، تمدد على أرض الغرفة، وبدأ يقرأ ما أملاه عليه عقله، فَجَعَتهُ الحقائق وأحزنه حال قلبه الذي صحبه عمره كله، أصابته هيستيريا من الضحك المجنون، أعقبتها نوبة من البكاء المر، مزق الأوراق بعصبية شديدة، ارتمى فوق كومة القصاصات في وسط الحجرة مضرجا في دموعه، ومازال يبكي.
التعليقات مغلقة.