كبسولات قصصية بقلم رشا فوزي”٩” القطة والعصفورة
هي مَن تعرّفت عليّ أولا، كنت أقف في المحل التجاري الكبير غير منتبهة عندما وصلني صوتها:
وكأنك لسة خارجة من باب الجامعة!،
ما تغيرتيش أبدا، يا ترى فكراني؟!
وكيف لي أن أنسى صاحبة الصوت ذات الأنف الأفطس والعينين المتقدتين خلف العوينات الصارمة، كتلة النشاط المستعرة والأراء الجريئة في شتى منحنيات الحياة، ببناطيلها الجينز وقمصانها ذات الطابع الرجولي، تقفز بتهور صبي من فوق البنشات في قاعة المحاضرات حتى تبلغني، فلا يهتز فيها سوى ذيل حصانها الأسود الحريري الذي لا يتغير أبدا في مكانه بمؤخرة رأسها. يمكنها النفاذ إلى جميع مباني الجامعة مهما كانت محظورة على الطلبة، ولديها دائما الخبر اليقين عن كل شؤون الجامعة، أحداثها وحوادثها، ولا تعدم طريقة للوصول إلى أي شخص، أو معلومة تبغاها مهما استحالت، وعندما أسألها:
وكيف عرفتِ؟!
أخبرتني القطة.
تقصدين العصفورة!.
تبتسم بمكر وهي تغمز لي:
بل هي قطة، وأنا العصفورة!.
حماسها وجرأتها على الحياة كانت موضع غيرة، لا أنكر، خاصة عندما كانت تخبرني بمنتهى الثقة:
سأكون أشهر صحفية في مصر.
أُصدم بمنظر المرأة التي تقف أمامي متسربلة بسواد فوق سواد، حتى وجهها يغطيه نقاب أسود فلا يظهر منه سوى عينين خاملتين، لم يبق مألوفا من صديقة الجامعة القديمة سوى صوتها والعوينات، وقد تسمّرت أمام هذا التحول الغير متوقع كالصنم، أبحلق فيها ببلاهة، فاقدة القدرة على مبادلتها الحديث، وكأنما قطة العهد الغابر قد أكلت لساني، فهل هي من فعلت بها ذلك أيضا؟!
تمت
التعليقات مغلقة.