غلطة الشاطر : “فك الاشتباك بين خلاق وأخلاق”

د.وجيهة السطل

في حفل أقيم بمناسبة افتتاح
مدرسة للبنات بمدينة بور سعيد عام١٩١٠م ألقى شاعر النيل، حافظ ابراهيم قصيدة طويلة عالج فيها عدة قضايا من عدة جوانب
كتب فى مطلعها:

كم ذا يكابد عاشقٌ ويلاقي …
في حبِّ مصرَ كثيرةِ العشاق
إني لأحملُ في هواك صبابةً …
يا مصرُ قد خرجت عن الأطواق
ومن أبياتها:
إني لَتُطرِبُني الخِلالُ كريمةً…
طربَ الغريبِ بأوبةٍ وتلاقي
وتهزُّني ذكرى المروءةِ والندى …
بين الشمائلِ هِزَّةَ المشتاق
فإذا رُزقتَ خليقةً محمودةً…
فقدِ اصطفاكَ مُقسِّمُ الأرزاقِ ِ
فالناسُ هذا حظهُ مالٌ وذا
علمٌ وذاكَ مكارمُ الأخلاقِ
ِلا تحسَبَنَّ العلمَ ينفعُ وحدَهُ …
ما لمْ يُتَوِّجْ ربُّهُ بخَلاقِ
وأعلم أن عامة قرَّاء هذا البيت وشُرّاحه، من الأساتذة والطلبة، يربطون الخَلاق بالأخلاق . ويضربون البيت مثلًا حين يشرحون أهمية تمتع العالم بالأخلاق. بل وأذهب إلى أبعد من ذلك فأزعم أن حافظًا- وهو شاعر ٌمتمكنٌ من اللغة ،متعمِّقٌ في بحورها- قد فهِمها كذلك.
لأن الأبيات التي شرح فيها فكرته بعد(ما لم يُتوَّج ربُّه بخلاق) تتحدث كلها عن انعدام الأخلاق لدى الطبيب والمحامي والأديب ورجل الدين، وانعكاس تأثيرها السلبي على المجتمعات .
يقول:
كم عالمٍ مدَّ العلومَ حبائلًا … لوقيعةٍ وقطيعةٍ وفراق
وفقيهِ قومٍ ظلَّ يرصُدُ فقهَه …
لمكيدةٍ أو مستحَلِّ طلاق
يمشي وقد نُصِبتْ عليه عمامةٌ….
كالبرجِ لكن فوق تلِّ نفاق
يدعونه عند الشقاق وما درَوا….
أن الذي يدعون خِدن شقاق
وطبيبِ قومٍ قد أحلَّ لطبِّه …
ما لا تُحِلُّ شريعةُ الخلَّاق
قَتَلَ الأجنَّةَ في البطونِ وتارةً…..
جمعَ الدوانق من دمٍ مهراق
وأديبِ قومٍ تستحقُّ يمينُه …
قطع الأناملِ أو لظى الإحراق
يلهو ويلعبُ بالعقول بيانُه….
فكأنه في السحرِ رُقْيةُ راقي
في كفِّه قلمٌ يمُجُّ لُعابُه …
سُمًّا، وينفثُه على الأوراق
يرد الحقائقَ وهي بيضٌ نُصَّعٌ…
قدسيةٌ عُلويَّةُ الإشراق
فيردُّها سودًا على جَنبَاتِها …
من ظُلمةِ التمويهِ ألفُ نطاق
عَرِيَت عن الحق المطهَّر نفسُه …
فحياتُه ثِقَلٌ على الأعناق
لو كان ذا خُلُقٍ لأسعدَ قومه …
ببيانه ويراعِه السباق

تقول الدكتورة وجيهة السطل :

الخَلاقُ غير الأخلاق يا أحبتي، وإنما هي الضرورة الموسيقية لضبط إيقاع البحر الكامل
هي التي تسببت في هذا اللبس وأوقعت الشاعر في خطأ لغوي دلاليّ…
فما معنى خَلاق إذًا إن لم تكن الأخلاق؟؟؟

ورد لفظ خَلاق في القرآن الكريم في أربعة مواضع:
١/ :” ويتعلَّمون ما يضرهم ولا ينفعهم ، ولقد علموا لَمَنِ اشتراه ما له في الآخرة من خَلاق” البقرة :١٠٧
٢/ : ” فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءَكم أوأشدَّ ذكرًا، فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خَلاق” البقرة :٢٠٠
٣/ : ” الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلًا ، أولئك لاخَلاقَ لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ” آلِ عمران : ٧٧
٤/: “كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالًا وأولادًا، فاستمتعوا بخَلاقهم كما استمتعتم بخَلاقكم” التوبة : ٦٩

وقد أجمع المفسرون على أن خَلاق في جميع المواضع إنما تعني النصيب ، على تنوع في تخصيص النصيب .
في الموضع الأول نصيب في الجنة ، وفي الموضعين الثاني والثالث تعني النصيب في المطلق ،وفي الموضع الرابع فاستمتعوا بخلاقهم أي بنصيبهم من الدنيا .
فإن كانت موسيقى الشعر قد أجبرت شاعرنا على ذكر خلاق في موضع أخلاق ، فلسنا مضطرين لذلك. واعلموا يارعاكم الله أن كلمة خلاق تعني الحصة،والنصيب.
تحياتي .