كوفيد 1984
بقلم دكتورة / شيرين الملوانى
العلاج هو” تناول كوبين من الشاى المغلى الغير مُحلى قبل شروق الشمس مع صلاة ركعتين لله” ؛ لا تختلف تلك الوصفة السودانية والتى إنتشرت فى بعض قرى السودان على لسان طفل تحدث فى مهده من واقع خيال الدجال عن الإعلان الذى ظهر بكثافة على الإنترنت فى بريطانيا للمعالجين الروحانيين بطاقة الشفاء والذى حدد قيمة العلاج الروحانى لمرضى فيروس كورونا ب80 جنية إسترلينى؛ متبَوعاً بتخفيض ثمن التعويذة السحرية للعلاج من أعراض كوفيد إلى 20 جنية إسترلينى مما جعل صحيفة ديلى ميل تُفرد صفحات لتحذير المواطنين من الإنسياق خلف تلك الخرافات فى بلد العالم الأول إنجلترا . وبالمثل وفى عام 1918؛حيث تفشت الأنفلونزا الأسبانية فى أعقاب الحرب العالمية الأولى وسط تكتم من أنظمة الدول المتناحرة وضعف إمكانيات التقدم العلمى وتمدد للفقر ؛ فحصدت فوق ال40 مليون نسمة من ربيع 1918 وحتى منتصف 1919؛ إنتشرت العلاجات الوهمية حينئذ من وصفات يتم تداولها على أيدى رجال الدين أو تركيبات عُشبية يتم تسلمها من محلات الأعشاب والصيدليات مع وفرة من أشكال الدجل وطقوس القرابين كى لايصاب الشخص بتلك الجائحة؛ وهو ماتم تأريخه بدقة فى رواية ” القاتل الأعظم” للروائية الفرنسية Laurent Spinney“والتى أظهرت فيه الوجة القبيح للعالم الرأسمالى الإستعمارى والصادرة عام 2018.
فسلوك الفرد فى زمن الأوبئة واحد عبر العصور؛ يجعل من النفس البشرية فريسة ؛ حيث أجمع علماء النفس على عموم تحلى العنصر البشرى (بالعقلانية الهشة ( فى الحياة الروتينية اليومية مع توفر اللازم له من مأكل وملبس وعلاج وعندما يعترى تلك الحياة عارض أو خلَل فى صورة وباء مجهول تظهر موجات الفزع وتأخذ منحى تصاعدى فى صورة هلع؛ كشراء المواد الغذائية وتخزينها بدون وعى و التهافت على بروتوكولات علاج أو لقاحات حتى لو لم يتم تجربتها أو تفعيلها من قبل، بل والرضوخ للدجل والشعوذة وكلما طالت فترة الوباء إختل العقل البشرى مع تنامى الإحساس بدنو الإصابة من الشخص فيزداد الضغط على الفرد مع عدم وجود معلومات كافية عن الوباء ويؤجج ذلك تضاؤل ثقة الشعوب بأنظمتها لكونها المسئولة عن حماية المواطن ، فيتنامى شعور الشك والأنانية ويتضائل العلم ويجد تجار الوهم طريقهم لعقل الفرد بل ويجد أصحاب الفكر المعارض لأى نظام مدخلاً لنشر أفكارهم وإنتقاد سياسة الدولة مستغلين ضعف الشعوب من مخاوف العيش فى ظل المجهول ؛ فمع ظهور وباء الكورونا أوائل العام الماضى ، إرتفعت الحناجر المُغرضة مؤكدة نظرية المؤامرة الكونية وكان أكثرها المثير للسخرية كون هذا الفيروس موجة من أجل إلهاء الشباب العربى عن مقاومة الإحتلال الصهيونى واضعاً الإعاقة الكاملة لتحرير القدس! وإمعانا فى فكرة المؤامرة ظهر النموذج الطارح فكرة كونة صناعة صينية من أجل ضرب إقتصاد العالم والإنفراد بالقمة أو كون أمريكا ساهمت فى تسريبه لضرب إقتصاد الصين ؛ وخاصة بعدما قامت الولايات المتحدة الأمريكية بإغلاق أكبر مُختبَر لتصنيع الأسلحة البيولوجية ونقل واشنطن لمعامل أبحاثها الى الصين وروسيا ؛ وهو ماذكره الإمام مقتدى الصدر فى خطبته متهماً امريكا بإصابة العالم بالفيروس مستشهداً بكثرة الإصابات فى صفوف المعارضة للنظام الأمريكي !، رافضين كل الرفض إعمال العقل فى تفسير جدوى التناحر البيولوجى بين الدولتين والمقترن بتدمير إقتصادهما وإقتصاد العالم وتوازى الخسائر اليومية فى جميع البلدان، ومن هنا لم يكف أرباب رواية جورج أورويل 1984 عن نشر فكرة تطبيق هذه الرواية فى كل الأزمنة وتوظيفها لخدمة أغراضهم والتأكيد على تحويل البشرية الى قطيع يأتمَر بتعليمات الأخ الكبير ؛وهو مارمز له الكاتب بوزارة الحقيقة المسئولة عن الديكتاتورية ،وجعلوا منها نبؤة أورويلية مما ستؤول له أحوال النظم السياسية ومركزية الإنسان الفرد وقدوم عصر الدولة الشاملة الحديثة وآليات تهميش الفرد والرضوخ الكامل لمراقبته والتحكم فى تحركاته ومصيره بنظرية المؤامرة وطبقوا هذا على ظهور الفيروس المتآمر فى بلد منشأة الصين بلد الأخ الكبير ؛ حتى إن الشعب البريطانى إعتنق تلك الفكرة و تظاهر الألاف منه حاملين لافتات تندد بسياسة إنجلترا فى التعامل مع الفيروس متهمين الحكومة بالتقصير ومطلقين عليه ” كوفيد 1984″.
ففترات الأوبئة فترات ضعف للبشرية ولكل فترة منتفعين ،فكما إنتفعت شركات الدواء وصانعى بروتوكولات العلاج مادياً بكثرة طرح اللقاحات وتصنيف جودتها وتقييم أسعارها على حسب مناطق توزيعها ، إنتفع الدجالين والمشعوذين ضاربى بالعلم والتكنولوجيا عرض الحائط وظهرمستغلى الجائحة ووظفوها لخدمة مبادئهم فى تغيير الأنظمة شاهرين سلاح نظرية المؤامرة فى وجهها مستغلين ضعف الشعوب كتربة خصبة لنشر ما كُبت ،وتفعيل ما تم تجاهله وإستنكاره ، ولا يبقى كحقيقة مطلقة سوى إن البشرية هى الخاسر الوحيد.
التعليقات مغلقة.