كيس التتن بقلم حيدر الدحام
ناداه بصوت عالٍ :
( حجي تفضل أستريح ، خوش چاي أغاتي ) .
رد عليه بروحه المرحة ولسانه البغدادي الأصيل :
( كل شي ما وراك ، بس چاي وچذب ) .
دلف الى داره القديمة التي ينبعث منها عطر المسك والعنبر ، متأبطاً كيس ( التتن* ) الذي لا يفارقه منذ نعومة اظافره ، تناول غداءه على عجل ، ولبس ( الچراوية* والصاية* البغدادية ) واللتان يحتفظ بهما للأعياد والمناسبات المهمة !!.
-( ها حجي ، وين أن شاء الله ؟! )
عندي ( عرس ) .
( عزه بعيني .. ليش هيچ حجي ، تريد تتزوج عليه ؟!! )
( ولچ يا زواج .. هو آني بيه حيل فشخة*ثانية !! )
( لعد وين كاشخ* وطالع ؟!! ) .
( هذا قدوري ابن فاضل الدباغ إلي براس العگد*، اليوم عرسه وعزموني على العشه )
( زين حجي .. بس بروح أبوك مشتهيه زلابيه ، لاتنسى جيب لي وياك )
كان العشاء فاخرًا يعكس كرم صاحبه وحبه لأبناء منطقته ، ورغم تعرضه لموقف طريف من احد المدعوين ممن شاركه صحن الطعام ، والذي غافله ليلتهم نصيبه من اللحم رغم سخونته ، ألا انه بادره بالقول :
( يابه دير بالك على بلعومك لا تغص ، اجيبلك لبن ؟!! ) .
بدأ ( الچالغي) البغدادي وفرقة المربعاتالبغدادية ، أحياء حفل الزواج ، وهو ما تعارف عليه أهل بغداد أيام زمان ، الجميع طرب لصوت الموسيقى والغناء وأخذوا ينثرون النقود على المغني وفرقته ، هنا الحاج مد يده لجيبه واخرج حفنة كما فعل جماعته ، وبدأ ينثرها على رؤوس الفرقة .
صاح به الجميع : ( اجاي تسوي حجي رحمة لوالديك !! )
انتبه لنفسه ، فقد وضع كيس ( التتن ) بجيبه بدل كيس النقود !! ، فأصبح الجميع كأنهم ( جگاير لف*) !!!
استمر الحفل لمنتصف الليل ، رجع وجماعته لبيته وهو يدندن طربًا ( فوگ النخل فوگ ….) .
فتحت له الزوجة عابسة ، وعينها على يديه الفارغتين .
( حجي .. وين الزلابية ؟!! )
( هاااا … والله العرس حلو !! ) .
( حجي شنسوي بالزلابية ، تسوي سكر ، المهم أنت سالم !! ) .
—————————————-
التتن : ورق التبغ باللهجة العراقية
الچراوية : شماغ يلف على الرأس ، وهو ملبوس بغدادي أصيل
الصاية : لباس تقليدي يلبس مع السترة وبدونها مازال يلبس في العراق
فشخة : ضربة على الرأس ، وهنا كناية للضرر
كاشخ : متأنق
راس العگد : رأس الشارع أو الفرع
چالغي بغدادي : تحت شرقي يعزف ويغني المقامات الشرقية
مربعات بغدادية : غناء شعبي تراثي عراقي اشتهر ببغداد دون سواها
جگاير لف : التبغ يلف بورق شفاف ( سكائر يدوية الصنع )
التعليقات مغلقة.