كُنْتُ أَحسَبُكَ زَمَنَ الأَحِبَّةِ…بقلم أحمد إبراهيم مرعوه
كُنت أحسبك زمن الأحبّة لكِنَّنِي سُرْعَانَ مَا غَيَّرْتُ رَأْيِي بَعْدَمَا هَبَّتِ الْعَوَاصِفُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، حَتَّى أَطَاحَتْ بِمَا عَلَا وَارْتَفَعَ، وَبِمَا دَنَا مِنَ الْأرْضِ وَانْخَفَضَ، وَطَارَتِ الْحَمَائِمُ الَّتِي طَارَتْ بِإِرَادَتِهَا، وَالَّتِي طَارَتْ رُغْمَا عَنْهَا، فَمَا عَادَ مِنْهَا مَا يَحْمِلُ الْأَمَلَ وَالْبُشْرَى، وَمَا أُرْسِلَتِ الرَّسَائِلُ فَازْدَادَ الشَّوْقُ وَالاشْتِيَاقُ إِلَيْهَا، وَازْدَادَ حَنِينُ الْمَكَانِ عُنْوَةً لِمَنْ رَحَلُوا عَنْهُ بِثَقَافَتِهِمْ وَفِكْرِهِمْ وَعِلْمِهِمْ وَدِفَاعِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، فَمَا بَقِيَ إِلَّا الضَّعِيفُ، وَالضَّعِيفُ الْمُتَخَاذِلُ، أَوِ الإِمَّعَةُ الَّذِي يُجَارِي كُلَّ التَّيَّارَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ حَتَّى إِذَا مَا أَصَابَتْ إِحْدَاهَا نَجَا مَعَهَا بِنِفَاقِهِ.
وَبَقِيَ الْقَلِيلُ مِنَ الشُّرَفَاءِ لايُسانِدُهُمْ أَيُّ شَيْءٍ فَانْضَمُّوا إِلَى الضِّعَافِ لَا لِشَيْءٍ إِلَّا لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، بَعْدَمَا أَصْبَحَ الْمَكَانُ حَزِينًا لِفَقْدِ الْأَحِبَّةِ، وَازْدَادَ حُزْنُ الْفُقَرَاءِ أَكْثَرَ مِنَ الْجَمِيعِ، فَمَنْ يُدَافِعُ عَنْهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ مِمَّنْ لَا يُجِيدُونَ الدِّفَاعَ عَنْ حُقوقِهِمْ، بَلْ أَكْثَرُهُمْ مِنَ الْأُمِّيِّينَ الَّذِينَ كُلَّمَا ازْدَادُوا فَقْرًا ازْدَادُوا جَهْلًا وَالْعَكْسُ صَحِيحٌ !
وَالْفَقْرُ يَزْدَادُ، وَالْفُقَرَاءُ يَزِيدُونَ، وَالسَّمَاءُ لَا تُمْطِرُ ذَهَبًا، وإِنْ أَمْطَرَتْهُ يَوْمًا مَا سَيَكُونُ مِنْ نَصِيبِ الْأَغْنِيَاءِ الْأَقْوِيَاءِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ فُنُونَ الدِّفَاعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ وَلَا سِوَاهَا، أَمَّا الْفُقَرَاءُ فَلَا دِفَاعَ لَهُمْ وَلَا مُدَافِعَ، وَفِي ظِلِّ هَذَا الْوَاقِعِ الْمُؤْلِمِ الَّذِي يُدْمِي الْقُلُوبَ حُزْنًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، وَفِي ظِلِّ التَّجَاهُلِ الْمُسْتَمِرِّ لَهُم جَمِيعًا، أَصْبَحَ الْمَوْتُ لِلْفَقِيرِ المُعْدَمِ هَدَفًا وَغَايَةً، بَلْ أُمْنِيَّةً وَحُلْمًا يَوَدُّ الْوُصُولَ إِلَيْهِ فِي وَقْتٍ تَصْعُبُ فِيهِ الْأحْلَاَمُ الْجَمِيلَةُ الْمُرَادُ تَحْقِيقُهَا، فَلَا نَوْمٌ هَادِئٌ قَدْ تَحَقَّقَ، وَلَا هُدُوءٌ جَلَبَ النَّوْمَ الْهَادِئَ فِي صَخَبِ الْحَيَاةِ وَضَجِيجِهَا وَمَطَالِبِهَا الْكَثِيرَةِ الْمُتَعَرِّجَةِ الَّتِي يَصْعُبُ السَّيْرَ فِي طُرُقِهَا الْمُنْحَدِرَةُ دَائِمًا فَيَحُولُ دونَمَا تَحْقِيقُهَا فِي وَقْتٍ يَضِيعُ سُدًى مَا بَيْنَ الآهَاتِ وَالتَّأَوُّهَاتِ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالضِّيقِ وَالضَّجْرِ الَّذِي يَحْتَضِنُ الفَقِيرَ، وَكَأَنَّمَا الْمَوْجُ يَحْتَضِنُ الْغَرِيقَ !
وَمَا بَيْنَ عَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي الْحَيَاةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ مُسْتَحِيلَةً بِالْإِمْكَانَاتِ المُتَدَنِّيَةِ، وَالْيَدِ الْخَالِيَةِ وَالْجُيُوبِ الْخَاوِيَةِ، وَصَرَخَاتِ جُوعِ الْأَطْفَالِ الْمُدَوِّيَةِ، وَحَرَارَةِ الْأسْعَارِ الْمُرْتَفِعَةِ وَالْعَالِيَةِ، وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ والمَقْدِرَةِ عَلَى تَلْبيَةِ الاحْتِيَاجَاتِ بِالْمَالِ الْحَلَالِ قَدْ يَنْحَرِفُ الْبَعْضُ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَغَيْرِ الْفُقَرَاءِ أَمَامَ كُلِّ هَذِهِ الصِّعَابِ وَالعَقَبَاتِ رَغْمَ أَنَّ مُعْظَمَ النَّاسِ يَرْفُضُونَ مَا يُلَوِّثُ حَيَاتَهُمْ مِنْ مَأْكَلٍ حَرَامٍ فَأَغِيثُوهُمْ..
فَلَيْسَ أكْرَمُ مَنْ أَنْ يَمُوتَ الْإِنْسَانُ شَرِيفًا يَرْفُضُ كُلَّ مَا يُلَوِّثُ حَيَاتَهُ مِنْ طُرُقٍ قَذِرَةٍ فِي تَحْقِيقِ الرِّزْقِ، فِيهَا إِذْلَالٌ لِلنَّفْسِ، وَجَرْحٌ لِلْمَشَاعِرِ، وَإهْدَارٌ لِلْكَرَامَةِ مِنْ أَجَلِ حِفنَةٍ مِنَ الْمَالِ أَوْ بَعْضِهِ.
وَلَيْسَ أَسْوَأُ مِنَ الْقَلَقِ عَلَى لُقْمَةِ الْعَيْشِ فِي الْحَيَاةِ، فالهُمُومُ جَمِيعُهَا مَبْعَثُهَا الْقَلَقُ عَلَى لُقْمَةِ الْعَيْشِ وَتَحْقِيقِ الْأمَانِيِّ فَأَغِيثُوهُمْ.. فَإِنَّ الْغُيُومَ لَا تُرْسِلُ إِلَّا غَيْثًا، وَالْأرْضُ الجَدْبَاءُ لَا تُنْبِتُ إِلَّا جُوعًا وَفَقْرًا وَمَرَضًا، فَمِنْ أَيْنَ لَهَا بِالْإِنْبَاتِ وَالْغَيْثُ مَحْجُوبٌ عَنْهَا وَمُغَيَّبٌ، وَالتُّرْبَةُ مُتَشَقِّقَةٌ غَيْرُ مُمَهَّدَةٍ لَا تَصْلُحُ لِلسَّيْرِ وَلَا لِلزِّرَاعَةِ.
وَالْغَيْثُ يَنْزِلُ مِنَ السّموَاتِ.. كَذَا الرَّحْمَاتِ.. فَارْحَمُوا مَنْ فِي الْأرْضِ يَرْحَمُكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ..
وَتَذَكَّرُوا يَا أُولِي الْأَلْبَابِ.
مَاجِسْتِير: أَحْمَدُ إِبْرَاهِيمُ مَرْعُوه
وباحث في مرحلة الدكتوراه
التعليقات مغلقة.