لا مفر.بقلم.محمد كسبه
فر هارباً من القصف خائفاً من الموت ، لا يعي معنى الوطن ولا يدرك قيمة الأرض ، لم يتعلم أن الموت بكرامة خير من العيش بذل .
في الليل كانت الطائرات تخترق السماء ذهاباً و إياباً ، تلقي بالقنابل في كل مكان ، صوت الانفجارات يدوي متتالياً ، طلقات المدافع تحصد الأرواح ، ألسنة اللهب كالوحوش تبحث عن المزيد من الضحايا ، من بين الركام خرج زاحفاً على بطنه ، لا يعي كيف مات والده بثبات ! حين اخترقت جسمه طلقة مدفع فخر قتيلاً على سجادة الصلاة أثناء القصف ، بينما هو كان يهذي و يصرخ مرتعباً ، كانت تزعجه صرخات أمه التي لم يستطع إنقاذها و ماتت بين الحطام .
ظل طوال الليل يتنقل بين الأزقة و الطرقات لا يكترث للجثث ، سمع الكثير من الصراخ منهم من يطلب النجدة ، من يريد الإغاثة و من يريد أن يلقنه الشهادة ، لم يتوقف عن الركض في عتمة الليل ، كان يفر من الموت ، حتى وصل إلى الحدود مع مصر و ارتطم بالسلك الشائك ، ارتمى على الأرض ، ظل ينظر هنا و هناك لا أحد ، ثمة بارقة أمل ، هناك جندي مصري في الناحية الأخرى من السلك ظل ينادي و هو متعب جدا يا مصري … يا مصري
رد عليه الجندي المصري : كيف حالك يا أخي ماذا تريد ؟
أريد أن أعبر السياج ، أنا أحب مصر و أحب المصريين ، إنها أم الدنيا ، هل هناك أم تترك ضناها يتألم و يتعذب ، أرجوك ساعدني كي أعبر السلك الشائك .
المصري : يا أخي أنا أحرس وطني و أدافع عنه بروحي و دمي و لا أسمح لأي دخيل أن يستبيح ترابه ، مصر للمصريين ، و أنت لك وطن ارجع و دافع عنه ، بالأمس مات زميلي هنا على الحدود مقتولاً برصاص الغدر .د، و انا ربما أموت اليوم او غدا ، لا أهتم فأنا لا أخشى إلا الله .
لكن أنا لا أريد الموت ، أريد أن أعيش ،كل أهلي و إخوتي ماتوا أمام عيني ، انا أريد مصر .
كل الفارين و الهاربين و اللاجئين يريدون مصر و يتركون أوطانهم و أهلهم للمعتدين ، تلك خيانة و جبن ، و ذلك هو الذل و الخزي و العار .
بالله عليك افتح لي بالسونكي في سلاحك شقا في السلك الحدودي ، أرجوك ساعدني و لن انسى لك هذا الجميل طوال عمري .
جميل ، أي جميل هذا ! أنا لا أخون وطني و لا أبيع أرضي و لا أترك سلاحي حتى أذوق الموت ، و لا أمانع أن تدخل مصر ؛ لكن بطريقة شرعية .
طريقة شرعية كيف ؟
حين تسمح مصر بفتح المعبر .
يا أخى كفاك شعارات ، ألا تسمع دوي القنابل ، ألا ترى الطائرات و ألسنة اللهب في كل مكان ، القصف على مدار اليوم لا مكان للحياة في غزة ، الكل يموت عطشاً و جوعاً ، ألم تقرأ قوله تعالى ” ادخلوها بسلام آمنين “
أولا : ما أقوله ليس شعارات بل هي عقيدة راسخة و حباً للوطن ، ثانيا : ما أراه من قصف وطائرات و نار لا يخيفني فأنا لا أهاب الموت و لا أفر من العدو بل أقاتل بشرف و أموت بكرامة على أرضي و أروي تراب بلدي بدمائي ، ثالثاً : الدخول إلى مصر بسلام وفقاً للقوانين الدولية ، في مصر تعلمنا الرجولة ، و مصر ام الدنيا علمتنا الفداء و التضحية .
يا اخي لا تساعدني ، بل اتركني أعبر السياج .
لا تحاول لاني سأمنعك ، عد و حارب ، كن رجلا ، في فلسطين أبطال و رجال ناضلوا و دافعوا بقوة و أرهبوا الصهاينة ، إسرائيل إلى زوال ، انتهى الكلام .
نظر إلى الجندي المصري بفخر و هز رأسه و أيقن أنه لا جدوى و لا مفر من مواجهة العدو ، استدعى شجاعته و عاد إلى بلدته ، و في الطريق ظل يساعد الجرحى و ينقذ المحتجزين تحت الأنقاض و تأهب للثأر .
التعليقات مغلقة.