لحم طازج
بقلم سيد جعيتم..
ما أنا مقبلة عليه أمر خطير، كلما هممت بتنفيذه ترددت و استغفرت ربي، يجب التفنن في إغرائه بالدخول عندي دون أن يلفت نظر أحد من الجيران، يجب أن تكون الخطة محكمة فأي خطأ ستكون نتيجته وبيلة . أفواه الصغار لا تعرف إلا ما تشتهيه، يشتهون ما هو صعب المنال، وسفيرهم في المطالب يجيد دبلوماسية البكاء: – ماما نفسي في اللحمة.
أمام محطة المترو أجلس ومعي أولادي الثلاثة، بنتان في مراحل التعليم الابتدائي وولد في الخامسة من عمره، لم أكن منتقبة لكنني ارتديت النقاب لأتخفى ولا يعرفني أحد.
ككل التلاميذ لا أحد يذهب للمدارس بسبب الوباء اللعين، ذلك الوباء الذي اختطف زوجي منذ عام فعرفنا الحزن. أجلس خلف قفص من الجريد، فوقه مصدر رزقي بعض أكياس المناديل الورقية، وبعض الكمامات الواقية.
لا يمر اليوم دون مشاكل، وأصعبها دفع الإتاوة للحفاظ على مكان جلوسي المميز أمام محطة مترو الأنفاق، الرزق قليل بالكاد يسد جوع الأولاد.
مع اقتراب الظهيرة تنقل إلينا الريح رائحة الشواء من مطعم الكبابجي القريب، تتسلل لأنوفنا يسألني الأطفال عن الرائحة فأراوغ وأتهرب من الإجابة ثم يتكلم سفيرهم. ـ ماما نفسي في اللحمة المشوية.
كيلو اللحم المشوي لدي الكبابجي ب ٢٨٠ جنيه وهو ثمن باهظ ولا مقدرة لي على توفيره.
عم حسان بائع الفاكهة علي عربة يد، يحب أولادي ويعطف عليهم وأحيانا، يفيض علينا ببعض بواقي الفاكهة، سمع تكرار السؤال عن اللحم المشوي من ابني، ابتاع ربع كيلو وبعض الأرغفة وأهداهم للأولاد ولسان حاله يقول : ـ ( لا يشعر بمن يعاني الجوع إلا من جاع )ـ، أتي لي بجريدة أشار إلي صورة أحد رجال الأعمال العائدين من الخارج بعد العفو عنه: (
- ياما أكلنا لحمة و فراخ فاسدة، كسب ملايين وهرب بره البلد، واهو راجع باشا.
في حينا الشعبي الفقير حيث أقطن أكثر من جزار سعر كيلو اللحم عندهم فوق المائة جنيه ، إلا جزارنا الخصوصي الذي نبتاع منه منذ عرفنا طعم اللحم يبيع الكيلو بسبعين جنيها واللحم مختوم بختم المذبح رغم أنه يذبح في بيته، لا نسأل أبدًا عن نوع اللحم، لا أقصد بتلو أو لحم كبير أو ضاني، لكن أقصد نوعية الحيوان الذي ذبح، والجزار يتحمل حرمة ما يبيع لنا .
وقفت أمامه في طابور طويل أتعجل دوري، فاللحم ينفد فور عرضه للبيع، صاحت إحدى النساء: ـ اللحم الطازج يفتح النفس جميل ومنور مش غتيان ( غامق اللون).
ابتعت كيلو، واحتفلنا بالشواء .
بعد عشرين يوما أعاد الصغير الطلب : ـ ماما عايزين لحمة مشوية.
أخذت أحصي ما جمعته فأول الشهر على الأبواب موعد حان موعد دفع إيجار حجرتنا و فاتورة الكهرباء والمياه والصيانة .
ـ ما رأيكم في لحم الأرانب.
سارعت البنت الكبري: - أرانب بالملوخية .
- كانت أنثي تتفنن فى جذب الذكور ولا يحلو لها الفعل الفاضح إلا أمام باب حجرتنا، وقد حان وقت تنفيذ الحكم عليها، استدرجتها للداخل .
أعجبتهم الأرانب بالملوخيه لكنها لم تغن عن اللحم المشوي فما زال الصغير ينفذ ما تمليه عليه أختاه ويبكي:
ـ عايزين لحمة مشوية.
ما يوفر اللحم حجمه أكبر من الأرنب، وصعب المراس وأكيد لن يستسلم بسهولة، تقتضي الخطة تكميم فمه أولاً، ثم تكبيل قوائمه الأربعة، حزمت أمري ونويت التنفيذ بقلم: سيد جعيتم
جمهورية مصر العربية
التعليقات مغلقة.