لعنةُ الخيانة ومرارة الاعتراف تابوهات ثابتة أم ثيمات جديدة…
عبد الرحيم خير
لعنةُ الخيانة ومرارة الاعتراف تابوهات ثابتة أم ثيمات جديدة.
قراءة في نص (طمأنينة كاذبة )
ولأنها من إبداع كنانة عيسى” مع حفظ الألقاب” فإنها مما يستحق أن يقرأ ف ( كنانة) وقبل أن تكون كاتبة مجيدة فهي ناقدة حصيفة تمارس فن القصة كتابة ونقدا تعلم كيف يُعجن الحرف في وعاء الفكر ويقلّب في تنور الحدث ليخرج طَازجا مستويا في قالب الصياغة، تعلم كيف تبدأ قصتها وكيف تُنهيها، وكيف تشُدّ قارئهَا على وتر السرد بحدث مكثف يستمتع بكل كلمةٍ فيه حتى تصل به إلى نهاية معزوفتها القصصية.
ولا أزكيها إن قلت أن اختيارها لفكرة القصة هو اختيار كاتب متمرس مشغول بقضايا مجتمعه وبيئته يعي ما يكتب بحيث تصبح الكتابة نقدا لاذعا لمجتمع يكيل بمكيالين، وبميزان مائل لأحداثٍ وقضايا مجتمعية باتت تطفو على سطحه، تعكّر صفوه وتزعزع أمنه واستقراره، وقد اختارت الكاتبة من بين هذه القضايا قضية شائكة يصعب حلها ومعالجتها، وهي قضية الخيانة الزوجية، هذا في الوقت الذي تتنامى فيه ثقافةٍ ودعاوى مجتمعية مشوهة تُبيح للرجل خيانة زوجته، وتحاصر النساء وتضغط عليهن للقبول بخيانة أزواجهن، مستعينة على ذلك بحجج واهية تدعوهن للتصبر ومعالجة الأمر بحكمة وروية، خوفا من الطلاق والانفصال ومايترتب عليهما من تبعات مادية ونظرة مجتمعية ترى المرأة المطلقة فاشلةً؛ لم تحافظ على بيتها وزجها، ومع الوضع في الاعتبار كل نظرة خبيثة تحاصر المرأة المطلقة أينما ذهبت وتراها شرا على الرجال المتزوجين وفتنةً ومطمعا لناقصي الرجولة ومعدومي الضمير، وببن هذا وذاك تشتّتت المرأة وأصبحت بين مطرقة المجتمع ونظرته الظالمة التي لا ترحمها إن هي فضلت الطلاق والانفصال، وبين سندان الخيانة وذل القبول بها والتعود عليها وما يتبعها من هوة سحيقة بين الزوجين تؤدي إلى القسوة واالابتعاد والجفاء، ومع ميل بعض النساء واقتناعهن أن الأفضل لها أن تعيش مع رجل خائن تتحمل مرارة خيانتة على أن تعيش بمفردها وتصبح مطمعا لكل طامع، باتت تنتشر ظاهرة الخيانة الزوجة وباتت تختلف وتتباين حيالها مواقف وأحوال النساء…
وفي قصّتها ( طمأنينة كاذبة ) رصدت الكاتبة صورة لهذه الخيانة، عرضت فيها نموذجا مصغرا من حياة زوجين ربما تعددت أشباههما وكثرت في مجتمعاتنا المحافظة والشرقية منهابصورة خاصة، هذه المجتمعات التي ترى خيانة الرجل أمرا مباحا وعاديا يجب ستره والعفو عنه، وعلى الزوجة أن تصبر وتتحمل طالما أن زوجها يعود إليها بعد انقضاء نزواته العابرة، وعلى النقيض ترى خيانة المرأة جريمة وفعلا شنيعا تستوجب عليه العقاب وإقامة الحد، لكن ببراعة عمدت الكاتبة إلى كسر التابوهات السائدة واختارت لحبكتها ثيمة جديدة تستفز مشاعر المجتمع، وتقلب موازينه وذلك بأن جعلت الزوجة هي التي تبادر بالاعتراف بخيانتها، وكأنها تريد أن تنتقم لنفسها من الزوج؛ ليشعر بما تشعر به وليشرب من نفس الكأس الذي شربت منه ولتضع المجتمع أمام مسئولياته، فيجرم الخائن والخيانة على حد سواء ودون تفرقة بين الرجل والمرأة، وكأن الكاتبة بهذه الثيمة الجديدة أرادت أن تصرخ في وجه المجتمع وترسل رسالة ضمنية عَبْر موقف الزوجة تسأل من خلالها هل يمكن أن يغفر المجتمع بميزان عدالته المائل مثل هذه الخيانة؟ وهل يمكن أن تعود الحياة الزوجية لطبيعتها، إن كانت الخيانة من طرف الزوجة ؟ وهل يصلح الاعتراف والندم على الخطيئة لتعود الحياة كما كانت من قبل سعادة وسكينة بعد أن أصبحت طمأنينة كاذبة؟!.
ولنقد هذا الميزان المائل والحكم الجائر قدمت الكاتبة قصتها وجعلت أبطالها هما الزوج والزوجة.
الزوج….
وهو الذي تعود الخيانة وسقط مِرارا في براثن الإثم والخطيئة حتى اعتاد الأمر وأصبح يمارسه بأريحية لايخشى أحدا حتى زوجته التي يبدو أنها تعبت من لومه ومعاتبته فاعتزلته بعد أن أصبحا كالغربين تحت سقف واحد، لكنْ يبدو أن أمرًا جللا لم تصرح به الكاتبة وتركت للقارئ فرصة استنتاجه وتخيله، قلب الأمور تغيرت بسببه طبيعة الزوج وسلوكه فأعلن توبته وندمه، وأقلع عن خيانتة، إلا أن لعنت الذنب ومرارته بقيت تطارده في صحوه ومنامه وكما جاء في النص….( كيف أقولُ لها أنني استيقظت لأجدَ عشيقتي التي تركتني منذ ثلاثةِ أشهرٍ تنامُ بجانبي؟ كأنّها هبطت من السماء.ِكلعنة)….
ومع عدم قبول الزوجة لتوبة الزوج، أو لأنها لم تصدق توبته، فقد اعتزلته وهجرت فراشة على النقيض ممايحدث في العادة، وكأنها تعاقبه على فعلته، ودون مقدمات أصبحت لا تهتم لأمره، كما جاء على لسان الزوج…. (تنام بعيداً عني، لن ألومها… فقد أسأتُ إليها كثيراً وظلمتُها أكثرَ مما يمكن لصبرِ امرأة أن يحتويه خيانةٌ وكذبٌ وتطاولٌ… وهجرُ)..
ويبدو هنا أن الزوج كان مقدرا لموقف زوجته وآلامها وأصبح يحاول جاهدا أن يثبت لها صدق توبته وعودته لكن بعد فوات الآوان.
الزوجة…
وهي المقهورة والمغلوبة على أمرها والتي ربما رضيت بهذا الزواج رغما عنها أو لتلحق بقطار المتزوجين بعد أن فاتها قطار الحب فلم تجتمع بمن تحب لكنّ طيفه مازال عالقا بخيالها وقلبها تتمناه وتود قربه وجواره خاصة بعد كل ما تعرضت له من هجر وقسوة وإهمال وخيانة، هذه الرغبة القديمة الدفينة صارت تكبر بسبب الإهمال والجفاء فأصبحت بعد أن كانت من المحرمات التي لايجوز الجهر بها ولا التفكير فيها من الأمنيات المرغوبة المحببة، والتي لاسبيل لتحقيها في الواقع إلا كحلم أو كأمنية من خلال صندوق الأمنيات، فهي بعد أن تعودت خيانة زوجها وإهماله وقسوته وهجره باتت تستعيد ذكرياتها القديمة وذلك الحب الذي دفنته بقلبها بعد أن حال بينهما النصيب، أصبحت تحيي هذا الحب وتستعيد الذكريات ليعوضها مرارة الهجر والخيانة، و على الرغم أن الزوج لم يرَ تلك الخيانة ولم يشعر بها إلا أن الزوجة قررت أن تعترف له، والخيانة هذه المرة سواء أكانت حقيقية أم على سبيل الحلم رآه كل منهما، إلا أنه توجد حقيقة واحدة ثابتة وهي أن كل منهما خان الآخر يقظة أو مناما حقية أم خيالا، وإن لم تحدث الخيانة حقيقة إلا أنها يقيت أمنية بقلب كل منهما.
وبهذه النهاية المفتوحة( اعتراف الزوجة بالخيانة) تركتنا الكاتبة حيارى نتساءل هل يقبل المجتمع بمثل هذه التوبة وهل يستطيع الرجل نسيانها وطي صفحتها والبدء من جديد؟! أم ستتحول الحياة بهذا الاعتراف والمصارحة من طمانينة كاذبة إلى هجر وانفصال؟!
…خالص الأمنيات للمبدعة الراقية الأستاذة كنانة عيسى بدوام اإبداع والعطاء.
؛؛؛؛؛ عبد الرحيم خير
………………………………………..
النص….
طمأنينة كاذبة
استيقظت…. مرتبكًا،كانت متكورة بجانبي،نائمةً بهدوءٍ غريب، تلفّها طمأنينة جميلة، رتابة أنفاسها أيقظتني.
.وحين فتحتُ عينيّ.. بتثاقلٍ. أدركت مصيبتي
… إنّها هي
قفزتُ بتوترٍ ورعب من السرير الذي جمعنا معًا غير مصدق.
يالله… ماذا سأفعل الآن… ؟!
ركضت… خارجًا من الغرفة في ارتباكٍ ، حلقي جافٌ، وجسدي يرتعشُ، وقدماي مهزوزتان لاتقويان على حملي
ركضتُ مستغيثًا… أرتجفُ في هلعٍ ، أكادُ لا أتنفس وأنا أتعرق كمحمومٍ.
أبحث عن زوجتي… لا بدّ أن أخبرها .. ولكنّني تريثت
ماذا سأقول؟
خوفي يفضحُني، ارتباكي يحرقُ أعصابي،
للمرَّة الأولى أنا مجبرٌ على الاعتراف، ترددتُ أن أقرعَ باب غرفتها حيث تنام بعيداً عني، لن ألومها… فقد أسأتُ إليها كثيراً وظلمتُها أكثرَ مما يمكن لصبرِ امرأة أن يحتويه
خيانةٌ وكذبٌ وتطاولٌ… وهجرُ
نظرتُ حولي، ظلمةُ المكان تستبيحُ سكينةً لا أجدها، وحدها الأنفاسُ المتقطّعة تتجاذبُ خفقان قلبي، سأصاب بأزمة… قلبية ربما؟ ربّما هذا أفضل للجميع.
توجَّهت للمطبخ الذي تسلَّلت منه برودةُ ناعمة، لعلي إن دخنت سيجارة وشربت كأسًا من الماءِ أفقت مما أنا فيه.
وما أن دخلتُ، حتى تسلَّلت إليَّ رائحة النعناع الساخن. فوجئت بها جالسةً كصنمٍ، شعرها ليس على ما يرام ترتدي ثوبها المنزلي البنفسجي السميك الذي لا تحبهُ، وأمامها كوبٌ كبير من الشاي الذي قد صنع للتو، رائحته الدافئة وبخاره يوحيان بطمأنينةٍ كاذبة، لعلها ساعدتني على درءِ ما بي.
كانت عيناها متورمتان ملتهبتان وبقايا كحلِ الليلة السابقة يحيطهما بشراسةٍ, جفّت دمعة بائسة في طريقها السفلي فجأةً في منتصف وجنتها الشاحبة، يبدو أنها بكت لوقت طويلٍ.
اعتصر الألم قلبي، قلت لنفسي “تبًا لهده الورطة” سحبتُ كرسيًا مقابلًا لها وحاولت أن ألج ارتباكي وجبني بإطالةِ النظر لعينيها المطفأتين.
كيف أقولُ لها أنني استيقظت لأجدَ عشيقتي التي تركتني منذ ثلاثةِ أشهرٍ تنامُ بجانبي؟ كأنّها هبطت من السماء.ِكلعنة.
فاجأتني بقولها:
-أتعلم؟… أعتقد أنني أدينُ لك بمعرفة شيءٍ كنتُ قد أخفيته عنك.َ
لم أجرؤ على التّفوه بحرفٍ واحدٍ، كنت خائفًا فهززت رأسي في استغباءٍ وعدم فهم، فاستطردَت:
-هل تذكرُ ذلك الصندوق التي اشتريناه البارحةَ من ذلك المتسولِ، والذي يحققُ الأمنياتِ؟ كما ادّعى؟
أومأتُ برأسي وأنا أخفي ارتجافَ شفتيَّ القارستين
أكملت وهي تشرب شايها بهدوء مستفزٍ فقالت:
-لقد تمنيتُ أمنيةً قبل النومِ وأظنّها قد تحققت
قلتُ لها وأنا أكاد أتلاشى ممازحًا بصوتٍ يتحشرجُ:
-مالذي تمنيته يا عزيزتي؟ أتمنّى أن يكون مبلغًا كبيرًا من المال!
ٍهمست بصوت مريب:
-تمنيت أن نجد الجرأة أنا وأنت على مواجهة أفظع ما قمنا به في حياتنا بشجاعةٍ؟ حتّى نعيشَ بسلامٍ مجددًا
قالت الجملة الأخيرة وهي ترتجف…
-ثمّ…؟
تساءلتُ بصوتٍ خفيضٍ لا يشبهُ أصواتَ الرجال عادةً
قالت وهي تبدأ نشيجًا لا أحبه
لقد استيقظت لأجده نائمًا بجانبي….
التعليقات مغلقة.