لغة عظيمة حكيمةشهد لها بذلك عظماء العالم وعلماء اللغات فيها وتنكَّر لها أبناؤها… د.وجيهة السطل
لغة عظيمة حكيمة،شهد لها بذلك عظماء العالم ،وعلماء اللغات فيها. وتنكَّر لها أبناؤها…
د.وجيهة السطل
تتميز اللغة العربية في معجمها اللغوي عن سائر اللغات بالأسرة الاشتقاقية ، التي تجمع كل الألفاظ التي تحمل الحروف نفسها في حزمة واحدة ، مفتاحها الجذر اللغوي الثلاثي، الذي صنفت على أساسه معاجم الألفاظ. وفي هذا من التنظيم والدقة والانضباط ، ما يجعل فهم اللغة أوضح ، وتعلمها أكثر انسيابية .
وللنظر على سبيل المثال في مادة ( أثر) ونجدها في المعاجم المصنفة على الحرف الأخير كلسان العرب في باب الراء فصل الألف ، وفي المعاجم المصنفة بحسب الحرف الأول فالثاني فالثالث كأساس البلاغة في باب الألف . ولنأخذ بعضًا من أفراد الأسرة لنتبين كيف اغتنت اللغة بالصيغ الصرفية المختلفة ، وكيف ميز العرب بين معنى وآخر ، بتغيير بنيته الصرفية لا الحرفية .ولنضرب لذلك مثلًا
مأثرة وجمعها مآثر، ومأثور وجمعها مأثورات .
ومن معانيها الواردة في مادة أثر
في المعجم :آثار جمع أثر، ووزنه أفْعال جمع تكسير للقلة ،( وأصلها أَأْثار، اجتمعت همزتان في أول الكلمة الأولى مفتوحة والثانية ساكنة ، تقلب الثانية ألفًا، وتتحول مع الأولى إلى مد .) وتعني كل ما يترك أثرًا مرئيّاً ، كآثار التعب على الإنسان، أو آثار الزمن على البنيان، أو ماتركه الأقدمون من قصور ومتاحفَ وتماثيلَ وبِنىً معماريةٍ حضاريةٍ ،تشهد لهم أو عليهم . ويتسع المعنى ليشمل الآثار الفكرية المخبوءة في الكتب ، ولا تخرج عن المعنى الأصلي وهو مايترك علاماتٍ مرئيّة.
أما المأْثرة وجمعها مآثر : فهي المكرُمة المتوارثة من نسب أو أفعال يذكر النَّاسُ
أصحابها بها.
أما المأثورات جمع مأثور اسم مفعول من أثر ، وتعني ما ورثه الخلف عن السلف من قول أو حكمةٍ أو إبداعٍ عملي أو حركي ولزم صورة معينة ، لا تتغير عبر العصور كلامًا ولا كتابةً ولا مكونات ولا حركات إبداعية. والمأثورات الشعبية في الأدب والفن تمثل الإبداع الشفهي للشعوب البدائية أو المتحضرة ويشمل النثر والشعروالسير والملاحم والرقصات الشعبية ،ويمكن أن نسميها تجاوزًا الثقافة المميزة لتاريخ كل أمة ، والمكونة لذاكرتها .
وتلجأ اللغة أحيانًا لتعميم الخاص ، أو تخصيص العام اصطلاحًا .فالأثر في مصطلح الحديث ماروي عنه- صلى الله عليه وسلم- أوعن الصحابة في السنة من قول أو عمل .لأنه ترك أثرًا في في عقول الأمة ، وفي حياتها .
وقد يختلط الأمر على الدارس فيظن التراث من الجذر اللغوي نفسه لوجود حرفين منه؛ ولكنه جذر مقلوب في الحرفين الثاني والثالث ، فهذا أ،ر،ث،وأصلها ورث. وذاك أ،ث،ر.
هذه هي لغتنا العظيمة. التي تحدث عنها علماء اللغة، فقالوا ،إن تعلُّمها واجب ديني، لأنه السبيل إلى فهم الدين ،وتدبر القرآن الكريم، والحديث النبوي الشريف.
يقول الثعالبي: ( اللغة العربية خير اللغات، والإقبال على تفهمها من الدين. ولو لم يكن للمتعلم من الإحاطة بخصائصها، والوقوف على مجاريها، وتصاريفها، والتبحّر في جلائلها وصغائرها- إلا قوة اليقين في معرفة الإعجاز القرآني ، وزيادة البصيرة في إثبات النبوة ، الذي هو عمدة الأمر كله ، لكفى بهما فضلاً، يحسن أثره ويطيب في الدارين ثمره.)
و ما ذَلّت لغةُ بين أهلها إلا ذلّوا، ولا انحطَّت إلا كان أمرُهُم فى ذهابٍ وإدبارٍ، وقد رصدنا على مدى التاريخ ،في الحضارة الإسلامية، تألّق اللغة العربية زمن حكم العرب للأندلس،وكيف اقتاتتْ الحضارة الغربية من علومنا وتراثنا، وكانوا يتباهَون بتعلم اولادهم اللغة الغربية، وإرسالهم إلى جامعات الأندلس ليتلقوا العلم.
كذلك رصدنا صنيع المستعمر، حين أراد أن بسيطر على الثوار ، ويقمع ثورة الجزائر، كيف حارب اللغة، ومنعها ،وفرض لغته على الشعب الجزائري لغة للعلم وللتعامل في الحياة اليومية.
إنّ جزءًا من حروب العصر الحديث ، تقزيم الأمة ، وتسطيح المدارك ، وقتل دوافع الإبداع والتألق لدى الشعوب المستهدفة، وإيهامهم بالضعف والدونية .
اللغة العربية لغة قوية شامخة ، استوعبت في القرون الهجرية الأولى ثقافة اللغات المجاورة ، وترجم علماؤها من السريانية واليونانية والهندية . ونقلوا العلوم إليها . واستوعبت في مطلع القرن العشرين ، ثقافة الغرب وعلومهم ونقلتها بعثاتنا التعليمية إلى اللغة العربية .
وأبدًا ما أفلح قومٌ قطَّعوا جذورهم ، ونسفوا جسور التاريخ بينهم وبين ماضيهم ، ففقدوا انتماءهم ، وأصبحوا كالطحالب التي تنمو على سطح الماء ،فتجرفها أول موجة هادرة ، وما أكثر الأمواج التي تعصف بالأمة العربية اليوم على أصعدة شتى . فأفيقوا يا رعاكم الله ، وأقيموا بني قومي جسورًا قوية، تعبر عليها أحفادكم ، كي تنالوا شرف الانتماء إلى لغة مقدسة ، كرمها رب العالمين بنزول كتابه العزيز بها.
التعليقات مغلقة.